قال ابن إسحاق (١) : فالله أعلم أى ذلك كان.
وذكر محمد بن عبد الله بن سنجر الحافظ فى إسلام عمر رضى الله عنه ، زيادة لم يذكرها ابن إسحاق ، فروى بإسناد له إلى شريح بن عبيد قال : قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض لرسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقنى إلى المسجد فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن ، فقلت : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) [الحاقة : ٤٠ ، ٤١] ، قال : قلت : كاهن علم ما فى نفسى فقرأ : (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [الحاقة : ٤٢] إلى آخر السورة.
قال : فوقع الإسلام فى قلبى كل موقع.
قال ابن إسحاق (٢) : وحدثني نافع عن ابن عمر قال : لما أسلم عمر قال : أى قريش أنقل للحديث؟ قيل له : جميل بن معمر الجمحى. فغدا عليه وغدوت أتبع أثره أنظر ما يفعل ، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت ، حتى جاءه فقال له : أعلمت يا جميل أنى أسلمت ودخلت فى دين محمد؟! فو الله ما راجعه حتى قام يجر رداءه ، واتبعه عمر ، واتبعت أبى ، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، وهم فى أنديتهم حول الكعبة ، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ ، قال : يقول عمر من خلفه : كذب ولكنى أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، وثاروا إليه ، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم.
قال : وطلع فقعد ، وقاموا على رأسه وهو يقول : افعلوا ما بدا لكم ، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا ، فبيناهم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال : ما شأنكم؟ قالوا : صبأ عمر. قال : فمه ، رجل اختار لنفسه أمرا فما ذا تريدون؟ أترون بنى عدى بن كعب يسلمون لكم صاحبهم. هكذا عن الرجل. فو الله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه. فقلت لأبى بعد أن هاجر إلى المدينة : يا أبت ، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهو يقاتلونك؟ جزاه الله خيرا. قال : أى بنى ، ذلك العاص بن وائل السهمى ، لا جزاه الله خيرا (٣).
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ٢٨٦).
(٢) انظر : السيرة (١ / ٢٨٦).
(٣) ذكره ابن كثر فى البداية والنهاية (٣ / ١٢٩ ـ ١٣٠).