ولقى أبو جهل بن هشام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما بلغنى ، فقال له : والله يا محمد لتتركن سب آلهتنا أو لنسبن إلهك الذي بعثك ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : ١٠٨] ، فذكر لى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كف عن سب آلهتهم وجعل يدعوهم إلى الله (١).
والنضر بن الحارث بن كلدة ، من شياطين قريش ممن كان يؤذى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وينصب له العداوة ، وكان قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس ، فكان إذا جلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم مجلسا فذكر فيه بالله ودعا فيه إلى الله وحذر قومه ما أصاب الأمم الخالية من نقمة الله ، خلفه فى مجلسه إذا قام ثم قال : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه ، فهلم فأنا أحدثكم أحسن من حديثه. ثم يحدثهم عن رستم الشيذ واسبنديار وملوك فارس ، ثم يقول : بما ذا محمد أحسن حديثا منى؟ والله ما محمد بأحسن حديثا منى ، وما أحاديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما اكتتبتها ، فأنزل الله عزوجل فيه :(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان : ٥ ، ٦] وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن ، وأنزل أيضا فيه : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الجاثية : ٧ ، ٨] (٢). وهو القائل : سأنزل مثل ما أنزل الله! فيما ذكر ابن هشام.
قال ابن إسحاق (٣) : وجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما بلغنى ، يوما مع الوليد بن المغيرة فى المسجد ، فجاء النضر بن الحارث فجلس معهم فى المجلس ، وفيه غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعرض له النضر ، فكلمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) [الأنبياء : ٩٨ ، ١٠٠] (٤).
ثم قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمى حتى جلس ، فقال له الوليد : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد ، وقد زعم محمد أنا
__________________
(١) ذكره الطبرى فى تفسيره (٧ / ٢٠٧).
(٢) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ١٣٦).
(٣) انظر : السيرة (١ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥).
(٤) ذكره ابن كثير فى تفسيره (٥ / ٣٧٥).