فذهب إلى أبى البخترى بن هشام ، فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدى. فقال : وهل من أحد يعين على هذا؟ قال : نعم. قال : من هو؟ قال : زهير بن أبى أمية والمطعم ابن عدى وأنا معك. قال : ابغنا خامسا.
فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، فكلمه وذكر له قرابتهم ومكانهم. فقال : وهل على هذا الأمر الذي تدعونى إليه من أحد؟ قال : نعم. ثم سمى له القوم. فاتعدوا خطم الحجون ليلا بأعلى مكة ، فاجتمعوا هنالك فأجمعوا أمرهم وتعاهدوا على القيام فى الصحيفة حتى ينقضوها. وقال زهير : أنا أبدؤكم فأكون أول من يتكلم.
فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم ، وغدا زهير عليه حلة ، فطاف بالبيت سبعا ثم أقبل على الناس فقال : يا أهل مكة ، أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباعون ولا يبتاع منهم! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.
قال أبو جهل ، وكان فى ناحية المسجد : كذبت والله لا تشق. قال زمعة بن الأسود : أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابتها حين كتبت. قال أبو البخترى : صدق زمعة ، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به. قال المطعم بن عدى : صدقتما وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها. وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك.
فقال أبو جهل : هذا أمر قضى بليل تشوور فيه بغير هذا المكان. وأبو طالب جالس فى ناحية المسجد ، وقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا باسمك اللهم. وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة ، فشلت يده فيما يزعمون.
وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأبى طالب : «يا عم ، إن الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته ونفت منها القطيعة والظلم والبهتان». قال : أربك أخبرك بهذا؟ قال : «نعم». قال : فو الله ما يدخل عليك أحد. ثم خرج إلى قريش فقال : يا معشر قريش ، إن ابن أخى أخبرنى بكذا وكذا ، فهلم صحيفتكم فإن كانت كما قال فانتهوا عن قطيعتنا ، وإن كان كاذبا دفعت إليكم ابن أخى. قال القوم : رضينا. فتعاقدوا على ذلك ، ثم نظروا فإذا هى كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فزادهم ذلك شرا ، فعند ذلك صنع الرهط من قريش فى نقض الصحيفة ما صنعوا (١).
__________________
(١) ذكره السيوطى فى الخصائص الكبرى (١ / ٢٥٠ ، ٢٥١) ، ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ٩٧).