قال : فصفقوا بأيديهم ثم قالوا : أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلها واحدا؟! إن أمرك لعجب. ثم قال بعضهم لبعض : والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون ، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه. ثم تفرقوا (١).
فقال أبو طالب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : والله يا ابن أخى ما رأيتك سألتهم شططا. فلما قالها طمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيه فجعل يقول له : أى عم ، فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة. فلما رأى حرص رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : يا ابن أخى والله لو لا مخافة السبة عليك وعلى بنى أبيك من بعدى ، وأن تظن قريش أنى إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها ، لا أقولها إلا لأسرك به. فلما تقارب من أبى طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه فأصغى إليه بأذنيه ، فقال : يا ابن أخى ، والله لقد قال أخى الكلمة التي أمرته أن يقولها. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم أسمع» (٢).
وخرج مسلم بن الحجاج فى صحيحه من حديث المسيب بن حزن قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عم قل : لا إله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله» ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» (٣).
فأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [التوبة : ١١٣]. وأنزل فى أبى طالب فقال لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص : ٥٦].
وفى الصحيح أيضا أن العباس قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن أبا طالب كان يحوطك
__________________
(١) انظر الحديث فى : المستدرك للحاكم (٢ / ٤٣٢) ، تفسير الطبرى (٢٣ / ٧٩) ، البيهقي فى السنن الكبرى (٩ / ١٨٨) ، أسباب النزول للواحدى (ص ٣٠٩).
(٢) انظر الحديث فى : فتح البارى لابن حجر (٧ / ٢٣٤) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ١٢٣).
(٣) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (٢ / ١١٩) ، صحيح مسلم كتاب الإيمان (٣٩) ، طبقات ابن سعد (١ / ١ / ٧٧) ، تفسير ابن كثير (٦ / ٢٥٦) ، الدر المنثور للسيوطى (٥ / ١٣٤) ، تفسير القرطبى (٨ / ٢٧٢) ، تفسير الطبرى (١١ / ٣٠).