له كلمة ، كأنى أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا : يا أبا جابر ما تستطيع وأنت سيد من ساداتنا أن تتخذ مثل نعلى هذا الفتى من قريش؟! فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ، ثم رمى بهما إلى فقال : والله لتنتعلنهما ، قال : يقول أبو جابر : مه ، أحفظت والله الفتى ، فاردد إليه نعليه. قلت : والله لا أردهما ، فأل والله صالح ، والله لئن صدق الفأل لأسلبنه(١).
وفى حديث غير كعب أنهم أتوا عبد الله بن أبى سلول ، فقالوا : مثل ما ذكر كعب من القول ، فقال لهم : إن هذا لأمر جسيم ، ما كان قومى ليتفوتوا على بمثل هذا ، وما علمته كان ، فانصرفوا عنه.
ونفر الناس من منى ، فتنطس (٢) القوم الخبر ، فوجدوه قد كان ، وخرجوا فى طلب القوم ، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو أخا بنى ساعدة ، وكلاهما كان نقيبا ، فأما المنذر فأعجز القوم ، وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع (٣) رحله ، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة ، يضربونه ويجذبونه بجمته ، وكان ذا شعر كثير.
قال سعد : فو الله ، إنى لفى أيديهم إذ طلع علىّ نفر من قريش فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال ، قال فقلت فى نفسى : إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا ، فلما دنا منى ، رفع يده فلكمنى لكمة شديدة ، فقلت فى نفسى : لا والله ، ما عندهم بعد هذا من خير ، فو الله إنى لفى أيديهم يسحبوننى إذ أوى إلى رجل ممن معهم ، فقال لى : ويحك! أما بينك وبين أحد من قريش تجارة ولا عهد؟ فقلت : بلى والله لقد كنت أجيز لجبير بن مطعم تجارة وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادى ، وللحارث بن حرب ابن أمية. قال : ويحك فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما.
قال : ففعلت ، وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما عند الكعبة ، فقال لهما : إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ليهتف بكما ، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا ، قالا : ومن هو؟ قال : سعد بن عبادة ، قالا : صدق والله ، إن كان ليجيز لنا تجارنا ويمنعهم
__________________
(١) انظر الحديث فى : مستدرك الحاكم (٣ / ١٨١) ، فتح البارى لابن حجر (٣ / ٢٦٢).
(٢) تنطس القوم : تنطس عن الأخبار أى بحث وكل مبالغ فى شيء متنطس وتنطست الأخبار تجسستها. انظر : اللسان (مادة تنطس).
(٣) النسع : هو سير يضفر على هيئة لأعنة النعال تشد به الرحال ، والجمع أنساع ونسوع ونسع ، والقطعة منه نسعة ، وقيل : هو سير مضفور يجعل زماما وغيره وقد تنسج عريضة تجعل على صدور البعير. انظر : اللسان (مادة نسع).