عنده للناس ، ولم يكن بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته.
فلما أجمع عليهالسلام الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة (١) لأبى بكر فى ظهر بيته ، ثم عمدا إلى غار بثور ، جبل بأسفل مكة ، فدخلاه.
وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهارا ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر ، فكان يفعل ذلك ، وأمر عامر بن فهيرة (٢) مولاه أن يرعى غنمه نهاره ، ثم يريحها عليهما إذا أمسى فى الغار ، فكان عامر يرعى رعيان أهل مكة فإذا أمسى أراح عليهما ، فاحتلبا وذبحا ، فإذا غدا عبد الله بن أبى بكر من عندهما إلى مكة ، تبع عامر أثره بالغنم حتى يعفى عليه ، وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما من الطعام بما يصلحهما.
وذكر ابن هشام (٣) عن الحسن بن أبى الحسن قال : انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا فدخل أبو بكر قبله فلمس الغار لينظر فيه سبع أو حية ، يقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه (٤).
ولما فقدت قريش رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلبوه بمكة أعلاها وأسفلها ، وبعثوا القافة يتبعون أثره فى كل وجه ، فوجد الذي ذهب قبل ثور أثره هناك ، فلم يزل يتبعه حتى انقطع له لما انتهى إلى ثور. وشق على قريش خروج رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنهم ، وجزعوا لذلك ، فطفقوا يطلبونه بأنفسهم فيما قرب منهم ، ويرسلون من يطلبه فيما بعد عنهم ، وجعلوا مائة ناقة لمن رده عليهم ، ولما انتهوا إلى فم الغار ، وقد كانت العنكبوت ضربت على بابه بعشاش بعضها على بعض ، بعد أن دخله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما ذكروا ، قال قائل منهم : ادخلوا الغار ، فقال أمية بن خلف : وما أربكم إلى الغار؟ إن عليه لعنكبوتا أقدم من ميلاد محمد!.
__________________
(١) خوخة : هى الكوة فى الجدار تؤدى الضوء ، وقيل : هى باب صغير كالنافذة الكبيرة تكون بين بيتين ينصب عليها باب. انظر : اللسان (مادة خوخ).
(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٣٤٦) ، الإصابة الترجمة رقم (٤٤٣٣) ، تلقيح المقال (٢ / ٦٠٥٩).
(٣) انظر : السيرة (٢ / ٩٢ ـ ٩٣).
(٤) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ١٨٠) ، فتح البارى لابن حجر (٧ / ٢٧٩).