قال : فأدخلنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى بعض بيوته ، ودخلوا عليه فكلموه وسألوه ثم قال لهم : أى رجل الحصين بن سلام فيكم؟ فقالوا : سيدنا وابن سيدنا ، وحبرنا وعالمنا.
فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم : يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به ، فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة باسمه وصفته ، فإنى أشهد أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأومن به وأصدقه وأعرفه. قالوا : كذبت. ثم وقعوا بى! فقلت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألم أخبرك يا نبى الله أنهم قوم بهت ، أهل غدر وكذب وفجور؟! قال : فأظهرت إسلامى وإسلام أهل بيتى ، وأسلمت عمتى خالدة فحسن إسلامها(١).
قال ابن إسحاق (٢) : وكان من حديث مخيريق ، وكان حبرا عالما غنيا كثير الأموال من النخل ، وكان يعرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بصفته وما يجد فى علمه ، وغلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد ، وكان يوم السبت ، قال : يا معشر يهود ، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق. قالوا : إن اليوم يوم السبت. قال : لا سبت لكم ، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بأحد وعهد إلى من وراءه من قومه : إن قتلت هذا اليوم فأموالى لمحمد يصنع فيها ما أراه الله.
فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل ، وقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمواله ، فعامة صدقاته بالمدينة منها. وكان صلىاللهعليهوسلم فيما بلغنى يقول : «مخيريق خير يهود» (٣).
قال (٤) : وحدثني عبد الله بن أبى بكر ، قال : حدثت عن صفية ابنة حيى أنها قالت : كنت أحب ولد أبى إليه وإلى عمى أبى ياسر ، لم ألقهما مع ولد لهما إلا أخذانى دونه ، فلما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة غدا عليه أبى وعمى مغلسين ، فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس ، فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فو الله ما التفت إلى واحد منهما مع ما بهما من الغم ، وسمعت عمى أبا ياسر وهو يقول لأبى : أهو هو؟ قال : نعم والله.
__________________
(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري كتاب الأنبياء (٣٣٢٩) ، دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ٥٣٠ ، ٥٣١) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢١١).
(٢) انظر : السيرة (٢ / ١٢٦).
(٣) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢٣٧ ، ٤ / ٣٦) ، طبقات ابن سعد (١ / ٥٠٢) ، عيون الأثر لابن سيد الناس (١ / ٣٣٤).
(٤) انظر : السيرة (٢ / ١٢٦ ـ ١٢٧).