هو صادر عن إذنه موقوف على مشيئته تحقيقا لما أراد من نبوته ، كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ، وغير ذلك مما أيده الله به من العجائب المصدقة له ، وأمره إياهم بتقوى الله وطاعته وقوله لهم : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) تبريا من الذي يقولون فيه واحتجاجا لربه عليهم. (فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أى هذا الهدى قد حملتكم عليه وجئتكم به. (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) إلى آخر قولهم.
ثم ذكر رفعه إياه إليه حين اجتمعوا لقتله ، فقال : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ). ثم أخبرهم ورد عليهم فيما أقروا لليهود بصلبه ، كيف رفعه وطهره منهم فقال : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ثم القصة حتى انتهى إلى قوله : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
أى قد جاءك الحق من ربك فلا ترتابن به ولا تمترين فيه ، وإن قالوا : كيف خلق عيسى من غير ذكر فقد خلقت آدم من تراب بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكر ، فكان كما كان عيسى لحما ودما وشعرا وبشرا ، فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا.
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أى من بعد ما قصصت عليك من خبره وكيفية أمره (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ).
نبتهل : ندعو باللعنة ، ونبتهل أيضا ، نجتهد بالدعاء. (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) أى ما أخبرتك به من أمر عيسى (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). فدعاهم الله إلى النصف وقطع عنهم الحجة.
فلما أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخبر من الله عزوجل ، فى شأن عيسى وفصل القضاء بينه وبينهم بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه ، دعاهم إلى ذلك ، فقالوا : يا أبا القاسم ، دعنا ننظر فى أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه.