قال : يقول الشيخ : ما من ماء! أمن ماء العراق؟
ثم رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أصحابه ، فلما أمسى بعث على بن أبى طالب والزبير بن العوام ، وسعد بن أبى وقاص فى نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه ، فأصابوا راوية لقريش فيهما غلامان لبعضهم ، فأتوا بهما فسألوهما ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم قائم يصلى ، فقالا : نحن سقاة قريش ، بعثونا نسقيهم من الماء ، فكره القوم خبرهما ، ورجوا أن يكونا لأبى سفيان ، فضربوهما ، فلما أذلقوهما قالا : نحن لأبى سفيان ، فتركوهما.
وركع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسجد سجدتيه ، ثم سلم وقال : «إذا صدقاكم ضربتموهما ، وإذا كذباكم تركتموهما! صدقا والله ، إنهما لقريش ، أخبرانى عن قريش. فقالا : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى». قال : «كم القوم؟» قالا : كثير. قال : «ما عدتهم؟» قالا:ما ندرى. قال : «كم ينحرون كل يوم؟» قالا : يوما تسعا ويوما عشرا. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «القوم ما بين التسعمائة والألف» (١).
ثم قال لهما : «من فيهم من أشراف قريش؟» قالا : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو البخترى بن هشام ، وحكيم بن حزام ، ونوفل بن خويلد ، والحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدى ، والنضر بن الحارث ، وزمعة بن الأسود ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية ابن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو ، وعمرو بن عبد ود.
فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الناس فقال : «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها»(٢).
وأقبلت قريش ؛ فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا ، فقال : إنى أرى فيما يرى النائم ، وإنى لبين النائم واليقظان ، إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ، ثم قال : قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، وابو الحكم بن هشام ، وأمية بن خلف وفلان ، فعدد رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ، ثم رأيته ضرب فى لبة بعيره ثم أرسله فى العسكر فيما بقى خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه.
__________________
(١) انظر الحديث فى : تفسير ابن كثير (٢ / ١٣ ، ٤ / ١١) ، تفسير الطبرى (٣ / ١٣١) ، الدر المنثور للسيوطى (٣ / ١٦٦).
(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢٧٧ ، ٢٧٨) ، تاريخ الطبرى (٢ / ٢٨) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ٧٥ ، ٧٦) ، دلائل النبوة للبيهقى (٣ / ٤٢).