فبلغت أبا جهل فقال : وهذا ـ أيضا ـ نبى آخر من بنى المطلب! سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا.
قال : ولما رأى أبو سفيان قد أحرز عيره أرسل إلى قريش : إنكم خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم فقد نجاها إله ، فارجعوا.
قال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ، وكان موسما للعرب لهم به سوق كل عام ، فنقيم عليه ثلاثا ، فننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها ، فامضوا.
وقال الأخنس بن شريق الثقفى : يا بنى زهرة ، وكان حليفا لهم : قد نجى الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل ، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله ، فاجعلوه بن جنبها وارجعوا ، فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا فى غير ضيعة ، لا ما يقول هذا.
فرجعوا فلم يشهدها زهرى واحد ، أطاعوه وكان فيهم مطاعا.
ولم يكن بقى من قريش بطن إلا قد نفر منهم ناس إلا بنو عدى بن كعب ، لم يخرج منهم رجل واحد ، فرجعت بنو زهرة مع الأخنس ، فلم يشهد بدرا من هذين القبيلين أحد.
وكان بين طالب بن أبى طالب وكان فى القوم ، وبين بعض قريش محاورة ، فقالوا : والله لقد عرفنا يا بنى هاشم وإن خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد. فرجع طالب إلى مكة مع من رجع ، وقال :
لا هم إما يغزون طالب |
|
فى عصبة مخالفا محارب |
فى مقنب من هذه المقانب |
|
فليكن المسلوب غير السالب |
وليكن المغلوب غير الغالب |
ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادى خلف العقنقل والقلب ببدر فى العدوة الدنيا إلى المدينة.
وبعث الله ـ عزوجل ـ السماء ، وكان الوادى دهسا ، فأصاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير ، وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبادرهم إلى الماء ، حتى إذا جاءوا أدنى ماء من بدر نزلوا به.