ويفعل الله ما يشاء مما يطابق سابق تقديره ، وقد قضى الله ـ سبحانه ـ بإحباط عمل الكافرين ، فمحال أن يقيم لهم يوم القيامة وزنا ، أو ينالوا عنده بشيء قدموه مما يتصور بصورة الأعمال الصالحة نعيما ، إلا أنه ربما جعل التفاوت بين جماهيرهم وبين شاء منهم بمقدار العذاب ، فيضاعفه على قوم أضعافا ، ويضع من شدائده عن آخرين تخفيفا.
وكل عذاب الله شديد ، فنعوذ برضا مولانا الكريم من سخطه ، وبمعافاته من عقوبته.
وحدث محمد بن إسحاق بن يسار عن يحيى بن عباد ، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير ، قال : ناحت قريش على قتلاهم ، ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ، ولا تبعثوا فى أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه فى الفداء.
قال : وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة وعقيل ابناه ، والحارث بن زمعة وهو ابن ابنه ، وكان يحب أن يبكى عليهم ، فسمع نائحة من الليل فقال لغلام له وقد ذهب يصره ، انظر هل أحل النحب؟ هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلى ابكى على أبى حكيمة ـ يعنى زمعة ـ فإن جوفى قد احترق!
فلما رجع إليه الغلام ، قال : إنما هى امرأة تبكى على بعير لها أضلته. قال : فذاك حين يقول الأسود :
أتبكى أن يضل لها بعير |
|
ويمنعها من النوم السهود |
فلا تبكى على بكر ولكن |
|
على بدر تقاصرت الجدود |
فى أبيات ذكرها ابن إسحاق (١).
وقد تقدم دعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الأسود بن عبد المطلب هذا بأن يعمى الله بصره ويثكله ولده ، فاستجيب له وفق دعائه ، سبق العمى أولا إلى بصره ، ثم أصيب يوم بدر بمن سمى آنفا من ولده ، فتمت إجابة الله سبحانه رسوله فيه.
وكان فى الأسارى أبو وداعة السهمى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال ، وكأنكم به قد جاءكم فى طلب فداء أبيه» (٢) ، فلما قالت قريش : لا
__________________
(١) انظر السيرة (٢ / ٢٥٣).
(٢) انظر الحديث فى : مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ٩٠) ، تاريخ الطبرى (٢ / ٤١).