أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاستجار بها فأجارته ، وجاء فى طلب ماله ، فلما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الصبح فكبر وكبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء : أيها الناس : إنى قد أجرت أبا العاص بن الربيع. فلما سلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال : «أيها الناس ، هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا : نعم ، قال : «أما والذي نفس محمد بيده ، ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم ، إنه يجير على المسلمين أدناهم».
ثم انصرف ، فدخل على ابنته فقال : «أى بنية ، أكرمى مثواه ولا يخلصن إليك ، فإنك لا تحلين له» (١). وبعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبى العاص فقال لهم : «إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك ، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم ، فأنتم أحق به» (٢). قالوا : يا رسول الله ، بل نرده عليه ، فردوه عليه ، حتى إن الرجل ليأتى بالدلو ويأتى الرجل بالشنه والإداوة ، حتى إن الرجل ليأتى بالشظاظ حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا ، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذى مال من قريش ماله ثم قال : يا معشر قريش ، هل بقى لأحد منكم عندى مال لم يأخذه؟ قالوا : لا ، فجزاك الله خيرا ، فقد وجدناك وفيا كريما. قال : فإنى أشهد لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والله ما منعنى من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أنى إنما أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها ، أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وحكى ابن هشام عن أبى عبيدة (٣) ، أن أبا العاص لما قدم من الشام ومعه أموال المشركين قيل له : هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال ، فإنها للمشركين؟ فقال : بئس ما أبدأ به إسلامى أن أخون أمانتى.
ومن رسول الله صلىاللهعليهوسلم على نفر من الأسارى من قريش بغير فداء ، منهم أبو عزة عمرو ابن عبد الله الجمحى ، كان متحاجا ذا بنات ، فكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، لقد عرفت مالى من مال ، وإنى لذو حاجة وذو عيال ، فامنن على. فمن عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا ، فقال أبو عزة فى ذلك يمدح رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) انظر الحديث فى : نصب الراية للزيلعى (٣ / ٢١١) ، سنن البيهقي (٩ / ٩٥) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٢٣٦ ، ٢٣٧).
(٢) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٤ / ٨٥) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٢٣٧).
(٣) انظر السيرة (٢ / ٢٦٤).