ثم قال : اضربوا عدو الله ، فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا. قال محمد ابن مسلمة : فتذكرت معولا كان فى سيفى حين رأيت أسيافنا لا تغنى شيئا ، فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار ، قال : فوضعته فى ثنيته ثم تحاملت عليه حتى بلغت غايته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح فى رجله أو رأسه أصابه بعض أسيافنا ، فخرجنا حتى أسندنا فى حرة العريض وقد ابطأ علينا الحارث بن أوس صاحبنا ونزفه الدم ، فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم آخر الليل وهو قائم يصلى ، فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله ، وتفل على جرح صاحبنا ، ثم رجعنا إلى أهلينا فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله ، فليس بها يهودى إلا وهو يخاف على نفسه.
وذكر ابن عقبة أن كعب بن الأشرف لما قدم على قريش يستنفرهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له أبو سفيان والمشركون ، نناشدك الله ، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه؟ وأينا أهدى فى رأيك وأقرب إلى الحق ، فإنا نطعم الجزور الكوماء ونسقى اللبن على الماء ونطعم ما هبت الشمال.
فقال : ابن الأشرف : أنتم أهدى سبيلا ، فأنزل الله فيه والله أعلم بما ينزل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) [النساء : ٥١].
وذكر ابن إسحاق أن هذه الآية إنما نزلت فى حيى بن أخطب وسلام بن أبى الحقيق وجماعة غيرهما من أحبار يهود ، ليس ابن الأشرف مذكورا فيهم ، وهم الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتاب الأول فسلوهم : أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا : بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه. فأنزل الله تعالى فيهم الآية المذكورة. فالله تعالى أعلم.
قال ابن إسحاق : وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه. فوثب محيصة بن مسعود الأوسى على ابن سنينة من تجار يهود ، وكان يلابسهم ويبايعهم فقتله ، فلما قتله جعل أخوه حويصة بن مسعود ولم يكن أسلم يومئذ وكان أسن من محيصة ، يضربه ويقول : أى عدو الله أقتلته ، وأما والله لرب شحم فى بطنك من ماله فقال محيصة : والله لقد أمرنى بقتله من لو أمرنى بقتلك لضربت عنقك! قال : فو الله إن كان