قال ابن عقبة : وزعموا أنهم رموه بالنبل وأرادوا فتنته فلم يزده إلا إيمانا ويقينا.
وأما خبيب بن عدى فجلس بمكة فى بيت ماوية مولاة حجير بن أبى إهاب ، فكانت تخبر بعد ما أسلمت ، قالت : لقد اطلعت عليه يوما وإن فى يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه ، وو الله ما أعلم فى أرض الله عنبا يؤكل!
قالت : وقال لى حين حضره القتل : ابعثى إلى بحديدة أتطهر بها للقتل ، فأعطيت الموسى غلاما من الحى فقلت : ادخل بها على هذا الرجل ، قالت : فو الله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه ، فقلت : ما ذا صنعت؟ أصاب والله الرجل ثأره يقتل هذا الغلام ، فيكون رجلا برجل. فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال : لعمرك ما خافت أمك غدرى حين بعثتك بهذه الحديدة إلىّ؟ ثم خلى سبيله.
ثم خرجوا بخبيب حتى إذا جاءوا به التنعيم ليصلبوه قال لهم : إن رأيتم أن تدعونى حتى أركع ركعتين فافعلوا. قالوا له ؛ دونك فاركع. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم أقبل على القوم فقال : أما والله لو لا تظنوا أنى إنما طولت جزعا من القتل لا ستكثرت من الصلاة.
فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين.
ثم رفعوه على خشبة ، فلما أوثقوه قال : اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة ما يصنع بنا. ثم قال : اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا. ثم قتلوه.
فكان معاوية بن أبى سفيان يقول : حضرت ـ يومئذ ـ فيمن حضره مع أبى أبى سفيان ، فلقد رأيته يلقينى فى الأرض فرقا من دعوة خبيب ، وكانوا يقولون : الرجل إذا دعى عليه فاضطجع لجنبه زلت عنه.
وكان ممن حضره ـ يومئذ ـ سعيد بن عامر بن جذيم الجمحى (١) ، ثم أسلم بعد ذلك واستعمله عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية بين ظهرى القوم ، فذكر ذلك لعمر وقيل : إن الرجل مصاب. فسأله عمر ـ رحمهالله ـ فى قدمة قدمها عليه فقال : يا سعيد ، ما هذا الذي يصيبك؟ قال : والله يا أمير
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الإصابة ترجمة رقم (٣٢٨٠) ، أسد الغابة ترجمة رقم (٢٠٨٤) ، تجريد أسماء الصحابة (١ / ٢٢٣) ، شذرات الذهب (٢) ، الجرح والتعديل (٤ / ترجمة ٢٠٥) ، حلية الأولياء (١ / ٣٦٨) ، الطبقات الكبرى (٧ / ٢٤٢ ، ٤٠٢) ، صفة الصفوة (١ / ٦٦٠) ، الوافى بالوفيات (١٥ / ٣٢٠) ، البداية والنهاية (٦ / ١٠٣).