بالناس ، فهبت عليهم ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تخافوها فإنما هبت لموت عظيم من الكفار» (١). فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت ـ أحد بني قينقاع ـ وكان من عظماء يهود وكهفا للمنافقين مات ذلك اليوم.
ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين فى عبد الله بن أبى ومن كان على مثل أمره. فلما نزلت أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأذن زيد بن أرقم ثم قال : «هذا الذي أوفى الله بأذنه»(٢).
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبى الذي كان من أمر أبيه ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إنه بلغنى أنك تريد قتل عبد الله بن أبى فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرنى فأنا أحمل إليك رأسه ، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده منى ، إنى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله فلا تدعنى نفسى أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبى يمشى فى الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقى معنا» (٣).
وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويؤاخذونه ويعنفونه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم : «كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتله يوم قلت لى اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته» (٤)! فقال عمر : قد والله علمت لأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعظم بركة من أمرى.
وقدم مقيس بن صبابة من مكة متظاهرا بالإسلام ، فقال يا رسول الله ، جئتك مسلما ، وجئتك اطلب دية أخى قتل خطأ ، فأمر له رسول الله صلىاللهعليهوسلم بدية أخيه هشام بن صبابة ، فأقام عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله. ثم خرج إلى مكة مرتدا وقال فى شعر له :
شفى النفس أن بات بالقاع مسندا |
|
تضرج ثوبيه دماء الأخادع (٥) |
__________________
(١) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٤ / ٦١).
(٢) انظر الحديث فى : كنز العمال للمتقى الهندى (٤٤١٣) ، سنن الترمذى (٥ / ٣٣١٣) ، فتح البارى لابن حجر (٨ / ٥١٤).
(٣) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٤ / ٦٢) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٥٨).
(٤) انظر الحديث فى : تفسير الطبرى (٢٨ / ٧٦) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٥٨).
(٥) تضرج : أى تلطخ. والأخادع : عروق القفا.