وذكر ابن عقبة عن ابن عباس قال : لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الحديبية كلمة بعض أصحابه فقالوا : جهدنا وفى الناس ظهر فانحروه لنا فلنأكل من لحومه ولندهن من شحومه ولنحتذ من جلوده. فقال عمر : لا تفعل يا رسول الله ، فإن الناس إن يكن فيهم بقية ظهر أمثل. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ابسطوا أنطاعكم وعباءكم» (١) ففعلوا ، ثم قال : «من كان عنده بقية من زاد وطعام فلينثره» ودعا لهم ، ثم قال لهم : «قربوا أوعيتكم» (٢). فأخذوا ما شاءوا.
قال ابن إسحاق (٣) : ولما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ـ يعنى من الحديبية ـ أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن حارثة (٤) ـ وكان ممن حبس بمكة ـ فكتب فيه أزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبعثا رجلا من بنى عامر بن لؤيّ ومعه مولى لهم ، فقدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالكتاب ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا بصير ، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح لنا فى ديننا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا» (٥).
فانطلق معهما حتى إذا كان بذى الحليفة جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه ، فقال أبو بصير. أصارم سيفك هذا يا أخا بنى عامر؟ فقال : نعم. قال أنظر إليه قال : إن شئت فاستله أبو بصير ثم علاه به حتى قتله.
وذكر ابن عقبة أن الرجل هو الذي سل سيفه ثم هزه فقال : لأضربن بسيفى هذا فى الأوس والخزرج يوما إلى الليل ، فقال له أبو بصير : وصارم سيفك هذا؟ فقال : نعم. فقال : ناولنيه أنظر إليه ؛ فناوله إياه ، فلما قبض عليه ضربه به حتى برد. قال : ويقال : بل تناول أبو بصير سيف الرجل بفيه وهو نائم فقطع إساره ثم ضربه به حتى برد ، وطلب الآخر ، فجمز مرعوبا مستخفيا حتى دخل المسجد ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس فيه يطن الحصباء من شدة سعيه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين رآه : «لقد رأى هذا ذعرا». قال ابن
__________________
(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٥ / ٣٥٤) ، دلائل النبوة للبيهقى (٤ / ١١٦) ، إتحاف السادة المتقين للزبيدى (٥ / ٤٧٩) ، فتح البارى لابن حجر (٨ / ٤٦).
(٢) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٤ / ١١٩).
(٣) انظر السيرة (٣ / ٢٩٦).
(٤) انظر ترجمته فى : الإصابة ترجمة رقم (٩٦٣٣) ، أسد الغابة ترجمة رقم (٥٧٣٤).
(٥) انظر الحديث فى : السنن الكبرى للبيهقى (٩ / ٢٢٧).