إسحاق : فلما انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ويحك مالك؟» (١) قال : قتل صاحبكم صاحبى.
فو الله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف فقال : يا رسول الله ، وفت ذمتك وأدى الله عنك ، أسلمتنى بيد القوم وقد امتنعت بدينى أن أفتن فيه أو يعبث بى. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ويلمه محش حرب (٢) لو كان معه رجال» (٣).
ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص من ناحية المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذوا إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتسبوا بمكة قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبى بصير : «ويلمه محش حرب لو كان معه رجال» فخرجوا إلى أبى بصير بالعيص ، فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا منهم.
وذكر موسى بن عقبة أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو الذي رد على قريش مكرها يوم القضية هو الذي انفلت فى سبعين راكبا أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبى بصير وكرهوا الثواء بين أظهر قومهم ، فنزلوا مع أبى بصير فى منزل كريه إلى قريش فقطعوا مادتهم من طريق الشام. قال : وكان أبو بصير ـ زعموا ـ وهو فى مكانه ذلك يصلى لأصحابه ، فلما قدم عليهم أبو جندل كان هو يؤمهم.
واجتمع إلى أبى جندل ناس من غفار وأسلم وجهينه وطوائف من العرب حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون ، فأقاموا مع أبى جندل وأبى بصير ، لا يمر بهم عير لقريش إلا اخذوها وقتلوا أصحابها. وقال فى ذلك أبو جندل فيما ذكره غير ابن عقبة :
أبلغ قريشا عن أبى جندل |
|
أنا بذى المروة بالساحل |
فى معشر تخفق أيمانهم |
|
بالبيض فيها والقنا الذابل |
يأبون أن يبقى لهم رفقة |
|
من بعد إسلامهم الواصل |
أو يجعل الله لهم مخرجا |
|
والحق لا يغلب بالباطل |
فيسلم المرء بإسلامه |
|
أو يقتل المرء ولم يأتل |
__________________
(١) انظر الحديث فى : سنن أبو داود (٤٥١٩) ، السنن الكبرى للبيهقى (٤ / ٢٢٦).
(٢) محش حرب : أى أنه يوقد الحرب ويهيجها ويشعل نارها.
(٣) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (٣ / ٢٥٧) ، سنن أبى داود فى كتاب الجهاد باب (١٦٧) ، مسند الإمام أحمد (٤ / ٣٣١) ، السنن الكبرى للبيهقى (٩ / ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٢٦ ، ٢٢٨) ، دلائل النبوة للبيهقى (٤ / ١٠٧ ، ٦٧٣) ، الدر المنثور للسيوطى (٦ / ٧٨) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٧٦) ، مصنف عبد الرزاق (٩٧٢٠).