فأرسلت قريش إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا سفيان بن حرب يسألونه ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبى بصير وإلى أبى جندل بن سهيل ومن معهم فيقدموا عليه وقالوا : من خرج منا إليك فأمسكه فى غير حرج ، فإن هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره.
فلما كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يمنع أبا جندل من ابيه بعد القضية أن طاعة رسول الله خير فيما أحبوا وفيما كرهوا ، وأن رأيه أفضل من رأيهم ومن رأى من ظن أن له قوة ورأيا ، وعلم أن ما خص الله به نبيه من العون والكرامة أفضل.
وكتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أبى جندل وأبى بصير يأمرهم أن يقدموا عليه ويأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم ولا يعرضوا لأحد مر بهم من قريش وعيراتها ، فقدم كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ زعموا ـ على أبى جندل وأبى بصير وأبو بصير يموت ، فمات وكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى يده يقرؤه. فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا.
وقدم أبو جندل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم معه أناس من أصحابه ورجع سائرهم إلى أهليهم وأمنت عيرات قريش.
فلم يزل أبو جندل مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشهد ما أدرك من المشاهد بعد ذلك وشهد الفتح ، ورجع مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يزل معه بالمدينة حتى توفى صلوات الله عليه وسلامه وقدم أبوه سهيل بن عمرو المدينة أول إمارة عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فمكث بها أشهر ثم خرج مجاهدا إلى الشام وخرج معه ابنه أبو جندل ، فلم يزالا مجاهدين حتى ماتا جميعا هناك ، رحمهماالله.
وهاجرت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى تلك المدة أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط (١) ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش فى الحديبية ، فلم يفعل ، أبى الله ذلك وأنزل فيه على رسوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَ
__________________
(١) انظر ترجمتها فى : الإصابة ترجمة رقم (١٢٢٣١) ، أسد الغابة ترجمة رقم (٧٥٨٥) ، الطبقات الكبرى (٨ / ٢٣٠) ، تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٧٦).