«رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة» (١) ثم استلم الركن وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه ، حتى إذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليمانى مشى حتى يستلم الركن الأسود ، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها فكان ابن عباس يقول : كان الناس يظنون أنها ليست عليهم وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما صنعها لهذا الحى من قريش الذي بلغه عنهم حتى حج حجة الوداع فلزمها فمضت السنة بها.
ولما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة فى تلك العمرة وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يديه :
خلوا بنى الكفار عن سبيله |
|
خلوا فكل الخير فى رسوله |
يا رب إنى مؤمن بقيله |
|
أعرف حق الله فى قبوله |
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بعث بين يديه جعفر بن أبى طالب إلى ميمونة بنت الحارث ابن حزن الهلالية ، فخطبها عليه فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب ، وكانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث ، وقيل : جعلت أمرها إلى أم الفضل ، فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس فزوجها العباس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصدقها عنه أربعمائة درهم.
وقضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم نسكه ، وأقام بمكة ثلاث ليال ، وكان ذلك أجل القضية يوم الحديبية. فلما أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب عبد العزى. [فى نفر من قريش] ورسول الله صلىاللهعليهوسلم فى مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن بن عبادة فصاح حويطب : نناشدك الله والعقد إلا خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث. فقال سعد : كذبت لا أم لك إنها ليست بأرضك ولا أرض أبيك والله لا يخرج إلا راضيا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وضحك : «يا سعد ، لا تؤذ قوما زارونا فى رحالنا». ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وما عليكم لو تركتمونى فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه؟» (٢) قالوا : لا حاجة لنا بطعامك فاخرج عنا.
فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا رافع مولاه فأذن بالرحيل ، وخلف أبا رافع على ميمونة حتى أتاه بها بسرف وقد لقيت ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين وصبيانهم ، فبنى بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسرف ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة. ثم كان من قضاء الله سبحانه أن ماتت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين ، فتوفيت حيث بنى بها.
قال موسى بن عقبة : وذكر أن الله ـ تعالى ـ أنزل فى تلك العمرة : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) [البقرة : ١٩٤].
__________________
(١) انظر الحديث فى : صحيح مسلم (٢ / ٢٤٠ ، ٩٢٣) ، مسند الإمام أحمد (١ / ٣٠٥ ، ٣٠٦).
(٢) انظر الحديث فى : الحاكم فى المستدرك (٤ / ٣١).