ومظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة.
وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للناس : «كأنكم بأبى سفيان قد جاءكم ليشد العقد وليزيد فى المدة» (١).
ومضى بديل بن ورقاء فى أصحابه حتى لقوا أبا سفيان بعسفان قد بعثته قريش إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليشد العقد ويزيد فى المدة وقد رهبوا الذي صنعوا ، فلما لقى أبو سفيان بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قال : سيرت فى خزاعة فى هذا الساحل وفى بطن هذا الوادى. قال : أو ما جئت محمدا؟ قال : لا. فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان : لئن كان بديل جاء المدينة لقد علف بها النوى. فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا.
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلىاللهعليهوسلم طوته عنه فقال : يا بنية ، ما أدرى أرغبت بى عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنت رجل نجس مشرك ، فلم أحب أن تجلس عليه. قال : والله يا بنية لقد أصابك بعدى شر!
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا ، ثم ذهب إلى أبى بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال : أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به. ثم خرج حتى دخل على علىّ بن أبى طالب وعنده فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعندها حسن بن على غلام يدب بين يديها فقال : يا على ، إنك أمس القوم بى رحما وإنى قد جئت فى حاجة فلا أرجعن كما جئت فاشفع لى ، قال : ويحك يا أبا سفيان ، والله لقد عزم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أمر ما نستطيع أن نكمله فيه. فالتفت إلى فاطمة فقال : يا بنت محمد ، هل لك أن تأمرى بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر. قالت : والله ما بلغ بنى ذلك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال : يا أبا حسن ، إنى أرى الأمور قد اشتدت على فانصحنى. قال : والله ما أعلم شيئا يغنى عنك شيئا ولكنك سيد بنى كنانة فقم فأجر بين الناس ثم ألحق بأرضك ، قال : أو ترى ذلك مغنيا عنى شيئا؟ قال : لا والله ما أظنه ولكننى لا اجد لك غير ذلك. فقام أبو
__________________
(١) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ٢٨١).