فأنزل الله فى حاطب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) الآيات كلها إلى قوله : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة : ١ ـ ٤] إلى آخر القصة.
ثم مضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لسفره حتى نزل بمر الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين ، وقيل فى اثنى عشر ألفا ، فسبعت سليم وقيل : ألفت وألفت مزينة ، وفى كل القبائل عدد وإسلام. وأوعب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم المهاجرون والأنصار فلم يتخلف عنه منهم أحد.
وقد كان ابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابن عمته عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة لقياه بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه وكلمته أم سلمة فيهما وهى أخت عبد الله منهما فقالت : يا رسول الله ، ابن عمك وابن عمتك وصهرك. قال : «لا حاجة لى بهما ، أما ابن عمى فهتك عرضى وأما ابن عمتى وصهرى فهو الذي قال لى بمكة ما قال». فلما خرج الخبر إليهما بذلك قال أبو سفيان ـ ومعه بنى له ـ والله ليأذنن لى أو لآخذن بيد بنى هذا ثم لنذهبن فى الأرض حتى نموت عطشا وجوعا. فلما بلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم رق لهما ثم أذن لهما ، فدخلا عليه فأسلما ، وأنشده أبو سفيان :
لعمرك إنى يوم أحمل راية |
|
لتغلب خيل اللات خيل محمد |
لكالمدلج الحيران أظلم ليله |
|
فهذا أوانى حين أهدى وأهتدي |
هدانى هاد غير نفسى وقادنى |
|
مع الله من طردت كل مطرد |
فزعموا أنه لما أنشده هذا البيت ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى صدره وقال : «أنت طردتنى كل مطرد» (١).
وعميت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قريش ، فلا يأتيهم خبر عنه ولا يدرون ما هو فاعل.
وخرج فى تلك الليالى أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار. وكان العباس بن عبد المطلب قد لقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببعض الطريق مهاجرا بعياله ، وكان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته ورسول الله صلىاللهعليهوسلم عنه راض.
__________________
(١) انظر الحديث فى : مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ١٦٥ ـ ١٦٧) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٤٣ ، ٤٤).