وعن ابن عباس قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول البيت أصنام مشددة بالرصاص فجعل النبيّ يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام وهو يقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء : ٨١] فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقى صنم إلا وقع. فقال تميم بن أسد الخزاعى :
وفى الأصنام معتبر وعلم |
|
لمن يرجو الثواب أو العقابا |
وأراد فضالة بن عمير بن الملوح الليثى قتل النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو بالبيت عام الفتح ، فلما دنا منه قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفضالة؟» قال : نعم فضالة يا رسول الله قال : «ما ذا كنت تحدث نفسك؟» فقال : لا شيء ، كنت أذكر الله. فضحك النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم قال : «استغفر الله» ، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه. فكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدرى حتى ما من خلق الله شيء أحب إلى منه. قال فضالة : فرجعت إلى أهلى فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت : هلم إلى الحديث : فقلت لا. وانبعث فضالة يقول:
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا |
|
يأبى عليك الله والإسلام |
لو ما رأيت محمد وقبيله |
|
بالفتح يوم تكسر الأصنام |
لرأيت دين الله أضحى بينا |
|
والشرك يغشى وجهه الإظلام |
وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما دخل الكعبة عام الفتح بلالا أن يؤذن ، وكان دخل معه ، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه. فقال الحارث : أما والله لو أعلم أنه محق لا تبعته. وقال أبو سفيان : لا أقول شيئا ، لو تكلمت لأخبرته عنى هذه الحصباء! فخرج عليهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «قد علمت الذي قلتم» (١) ثم ذكر ذلك لهم ، فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك.
وقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين افتتح مكة على الصفا يدعو وقد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم : أترون رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها.
فلما فرغ من دعائه قال : ما ذا قلتم؟ قالوا : لا شيء يا رسول الله. فلم يزل بهم حتى
__________________
(١) انظر الحديث فى : تفسير ابن كثير (٣ / ١٣٢).