عباس اصرخ : يا معشر الأنصار ، يا معشر أصحاب السمرة». قال : فأجابوا : لبيك لبيك. قال : فيذهب الرجل ليثنى بعيره ، فلا يقدر على ذلك ، فيأخذ درعه ، فيقذفها فى عنقه ، ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلى سبيله فيؤم الصوت حتى ينتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا ، فكانت الدعوى أول ما كانت للأنصار ثم خلصت آخرا للخزرج ، وكانوا صبرا عند الحرب ، فأشرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم فقال : «الآن حمى الوطيس» (١).
قال جابر بن عبد الله فى حديثه : واجتلد الناس ، فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم!.
قال : والتفت رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أبى سفيان بن الحارث وكان حسن الإسلام وممن صبر يومئذ معه وهو آخذ بثغر بغلته فقال : «من هذا؟» قال : أنا ابن أمك يا رسول الله(٢).
وذكر ابن عقبة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما غشيه القتال يومئذ قام فى الركابين وهو على البغلة. ويقولون : نزل. فرفع يديه إلى الله يدعوه يقول : «اللهم إنى أنشدك ما وعدتنى ، اللهم لا ينبغى لهم أن يظهروا علينا». ونادى أصحابه فذمرهم : «يا أصحاب البيعة يوم الحديبية ، يا أصحاب سورة البقرة ، يا أنصار الله وأنصار رسوله ، يا بنى الخزرج». وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين ونواحيهم كلها. وقال : «شاهت الوجوه»(٣).
فهزم الله أعداءه من كل ناحية حصبهم فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاههم وإبلهم ، وفر مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف فى ناس من أشراف قومه.
__________________
(١) ذكره الإمام أحمد فى مسنده (١٧٧٥) ، مسلم فى صحيحه (٣ / ١٣٩٨ ، ١٣٩٩ / ٧٦).
(٢) لم أقف على تخريجه فيما بين يدى من مصادر ، وقصة أبى سفيان بن الحارث أنه كان أخذ بزمام ناقة النبيّ صلىاللهعليهوسلم أخرجها البخاري فى صحيحه كتاب المغازى (٧ / ٤٣١٥) من طريق أبى إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب ... وفيه : «فيفهم هوزان بالنبل والنبيّ صلىاللهعليهوسلم على بغلته البيضاء ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها والنبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : «أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب».
(٣) انظر الحديث فى : البداية والنهاية (٤ / ٣٣٠) ، المعجم الكبير للطبرانى (١٠ / ١٨٨) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٦ / ٨٢ ، ٨ / ٦١٩) ، دلائل النبوة للبيهقى (٥ / ١٣١) ، فتح البارى لابن حجر (٧ / ٦١٩).