رسول الله ، والله ما به من حركة ، والله ما زال يبكى منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ولقد تخوفت على بصره. فقال لى بعض أهلى : لو استأذنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم لامرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه ، فقلت : والله لا أستأذنه فيها ، ما أدرى ما يقول لى فى ذلك إذا استأذنته وأنا رجل شاب ، قال : فلبثنا بعد ذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون من حين نهى رسول الله المسلمين عن كلامنا ، ثم صليت الصبح خمسين ليلة على طهر بيت من بيوتنا على الحال التي ذكر الله ، هنا قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت على نفسى ، وقد كنت ابتنيت خيمة فى ظهر سلع ، فكنت اكون فيها إذ سمعت صوت صارخ أو فى على سلع يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر. فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاءنى الفرج.
قال : وآذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناس يبشروننا وذهب نحو صاحبى مبشرون ، وركض رجل إلى فرسا وسعى ساع من أسلم ، حتى أوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءنى الذي سمعت صوته يبشرنى نزعت ثوبى فكسوتهما إياه بشارة ، وو الله ما أملك يومئذ غيرهما ، واستعرت ثوبين فلبستهما ، ثم انطلقت أتيمم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتلقانى الناس يبشروننى بالتوبة يقولون : ليهنك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس حوله الناس فقام إلى طلحة بن عبيد الله فحيانى وهنأنى ، والله ما قام إلى رجل من المهاجرين غيره. فكان كعب لا ينساها لطلحة.
قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ووجهه يبرق من السرور : أبشر بخير يوم مر عليك منذ يوم ولدتك أمك. قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : بل من عند الله. قال : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا استبشر كأن وجهه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه.
قال : فلما جلست بين يديه ، قلت : يا رسول الله ، إن من توبتى إلى الله أن أنخلع من مالى صدقة إلى الله وإلى رسوله. قال : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. قلت : إنى ممسك سهمى الذي بخيبر. وقلت : يا رسول الله إن الله قد نجانى بالصدق ، فإن من توبتى إلى الله أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. والله ما أعلم أحدا من الناس أبلاه الله فى صدق الحديث منذ ذكرت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك أفضل مما أبلانى ، والله ما تعمدت من كذبة مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى يومى هذا ، وإنى لأرجو أن يحفظنى الله فيما بقى.