برده غالبا لحرارته ، ورأى جوه صافيا ، فأعجبه المكان ، وعزم على الإقامة فيه فأسس مدينة صنعاء ، وحفر بئرا فيها تسمى إلى الآن بئر سام.
قالوا : وكان سام سرياني اللسان على لغة آبائه ، فأقام فيها ، وولد له فيها خمسة أولادهم أرفخشد (٦) وأشوذ ولاوذ وإرم وعويلم ، فاستولت عليهم طباع الإقليم ، فتعدلت أجسامهم وحسنت ألوانهم ، وتجعدت شعورهم وخفت ألسنتهم ، لأنهم في بلد بين الجنوب المحرقة بحرها ، وبين الشمال المجمدة ببردها ، فصارت الألوان بين البياض الممهق (٧) والسواد المحترق ، والشعر بين الجعد القطط (٨) والمسترسل السبط (٩).
قال الحكماء : وهذه الصفات المختلفة في البلدان ، إن لها تأثيرا قويا في طباع الأبدان ، ومما يؤيد ذلك أن العربي يسكن في بلاد العجم ويولد له فيها ، فيظهر ولده دونه في الفصاحة ، ثم يكون ولد ولده أعجميا ، وكذلك الأعجمي بضد هذا تصير أولاده متعربين.
قالوا : ولأجل ذلك افترقت ألسنة أولاد نوح على اثنين وسبعين لسانا ، فمنها في أولاد سام سبعة عشر لسانا ، وفي أولاد حام تسعة عشر لسانا ، وفي أولاد يافث ستة وثلاثون لسانا ، فأقام سام وأولاده وأولادهم في صنعاء ما شاء الله ، ثم إنهم أحبوا الفسحة في الأرض ، فخرجوا وافترقوا في جزيرة العرب فصار شالخ بن أرفخشد بن سام / إلى حضرموت فأقام ما شاء الله ، ثم أرسله إلى عاد ، وكانت مساكنهم مرتبط أبين إلى حضرموت ، فكان من خبرهم ما هو مشهور في كتاب الله عز وجل.
__________________
(٦) في الأصل : أرفخشذو.
(٧) الممهق : الأبيض لا يخالطه حمرة وليس بنيّر ، لكنه كالجصّ.
(٨) الجعد القطط : القصير.
(٩) المسترسل السبط : وهو ضد الجعد ، طويل.