إلى عبادي شعثا غبرا ، جاؤوني من كل فج عميق ، يرجون مغفرتي ، فقد غفرت لهم جميعا ، أفيضوا عبادي ، كلكم مغفور لكم ، مشفعون فيمن شفعتم ، ولو كانت ذنوبهم مثل أيام الدنيا ، أو زنة الجبال أو عدد الرمال ، غفرتها لكم» (٥٢). وقال صلى الله تعالى عليه وسلم : «إن آدم سأل ربه ، فقال : يا رب ، من حجّ البيت من ذريتي أسألك أن تلحقه بي في الجنة ، فقال الله تعالى : يا آدم ، من مات في الحرم من ذريتك وهو لا يشرك بي شيئا ، بعثته آمنا يوم القيامة» (٥٣).
هذا ما رأيت أن أذكره من الأحاديث الواردة في فضله ، وأما ذكر حدودها وصفتها ، وما جاء في محصلها وابتداء توجه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إليها ، فذلك يستدعي مجلدات لا يحتمله هذا المختصر.
قلت : ومن شرف هذا البيت أن الله تعالى فرض التوجه إليه على جميع الخلق من أهل الغرب والشرق ، وشرع لهم حجه ، وجعله أحد أركان الإسلام ، وأعطاهم بذلك الشرف والإكرام ، وجعل فيه سرا جالبا لقلوب العباد ، وألقى له شوقا ومحبة في كل فؤاد ؛ فترى الخلائق يسعون إليه رجالا وركبانا (٥٤) من جميع الأقطار ، وأشواق القلوب تتزايد ، ودمع العيون مدرار ، لا يستبعده بعيد الأوطان ، ولا يعوقه عنه الأهل والولدان ، بل كلما خطر بقلبه البعد ومشقة الارتحال أنشد لسان شوقه ، وقال : [الطويل]
بعيد على الكسلان أو ذي ملالة |
|
فأما على المشتاق غير بعيد |
__________________
(٥٢) لهذا الحديث كما في المتن روايات متعددة يكمل بعضها بعضا بألفاظ متقاربة ، فقد روى جزءا منه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال : «صحيح على شرطهما ، ويراجع نص أحمد في (مسنده ٢ / ٢٢٤ ، و٢ / ٣٠٥) ، و (المستدرك ١ / ٤٦٤ ، ٤٦٥) ، و (حدائق الأنوار ٩١٦) ، كما تراجع تتمة أجزاء الحديث في (المنتخب للمتقي ٢ / ٣٢٨ و٣٥٤ و٣٥٨ و٣٥٩ و٣٦٠ و٣٦٥ و٣٦٦).
(٥٣) لم أعثر على الحديث كاملا فيما رجعت إليه من كتب السنة وفي (المنتخب للمتقي ٢ / ٣٩٢ و٥ / ٣٦١) عن جابر وعن عمرو عن حاطب وغيرهم : «من مات في أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة».
(٥٤) رجالا وركبانا : مشاة وفرسانا.