ثم لم أعلم في بعض الأيام إلا وقد وصلني جماعة منهم ، وذكروا لي ما جرى منه من خلل ، فقصدوني لأعينهم على خروجه من الجبل ، وألحوا عليّ بذلك ولازموني ، فاعتذرت إليهم فلم يعذروني. فكتبت هذه الأبيات ، وأرسلت بها إليه ، فوصل بها الرسول وعرضها عليه (٢٤) ، فلما وقف عليها خرج مبادرا من غير إعلام الجماعة ، ولم يمكنه الوقوف بعد ذلك قدر ساعة ، وهي هذه الأبيات : [الكامل]
يا أيها الرجل العظيم الشان |
|
يا واصلا من أبعد الأوطان |
يا من أقام بأرض قوّر ذكره |
|
للحاضرين وجملة البدوان |
أظهرت كل عجيبة وغريبة |
|
وأتيت بالأشيا بلا برهان |
لما أتيت وأهل قوّر كلّهم |
|
ضعفا القلوب وهم ذوو إحسان |
يتحملون إلى الذي يأتيهم |
|
ويعززوه (٢٥) معزة الضيفان |
أظهرت عندهم العجائب كلّها |
|
وغرائبا أبديتها ومعان |
وتحبّ أنك تستميل قلوبهم |
|
وتصيدها كتصيّد الحيتان |
فذكرت أنّك تخرج الكنز الذي |
|
هو غائب مدفون في القيعان |
وذكرت أنّ الجنّ طوعك يفعلوا (٢٦) |
|
ما رمت كالخدّام والعبدان |
والأربعون تصومها متواصلا |
|
بخلاف صوم الناس في رمضان |
وذكرت أنك جئتهم من مكة |
|
حيث الفضائل أشرف البلدان |
بإشارة حصلت إليك تعودهم |
|
لتقيم فيه عبادة الرحمن |
فأتيته ووقعت فيه بمسجد |
|
وحجبت نفسك دائم الأزمان |
وأخذت فرش مساجد فجعلتها |
|
ظلا لمن يأتي مدى الأحيان |
__________________
(٢٤) في الأصل : عليها.
(٢٥) ويعززوه : هكذا وردت وحقها : ويعززونه ولكن للضرورة الشعرية.
(٢٦) يفعلوا : هكذا وردت وحقها : يفعلون ولكن للضرورة الشعرية.