فهو يتناول بلاد اليمن وخصائصها وطبيعتها الجغرافية ، وما جرى فيها من القصص والعجائب والغرائب ، ويتحدث أيضا عن سكانها وذكائهم وفطنهم وكرم طباعهم وأنسابهم وتنقلاتهم ، ومن تولى منهم أمر الحرمين الشريفين ، ومن اشتهر منهم من قبائل وعلماء وصالحين ، مستشهدا ما وسعه الاستشهاد بالقرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف والشعر ، الذي إن لم يجده صنعه ، فالمؤلف شاعر مطبوع يجري الشعر على لسانه فيؤرخ الحوادث ، ويعيش الحياة ، ويترجمها إلى أدب يبقى خالدا على الدهر.
ومكتبتنا العربية اليوم ، فقيرة جدا فيما كتب عن اليمن ، هذا الجزء العزيز من العالمين العربي والإسلامي ، وإن من حقه علينا أن نحيي تراثه بتحقيق الكتب النفيسة التي سطرها علماؤه السابقون الأجلاء ، فكانت درة في جبين الدهر ، وهذا الكتاب بحق منها ، فنربط الحاضر بالماضي ، ونعرف عن أنفسنا ما نجهله ويعرفه الآخرون ، فيكون التاريخ لنا عبرة نتعظ بها في كل حين تبعا لقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [يوسف ١٢ / ١٠٩] ، وما أكثر ما يعيد التاريخ نفسه على مرّ الأيام والسنين ، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه ، وقد أمرنا الله تعالى بالسير في الأرض والنظر في عاقبة الماضين بآيات كثيرة منها قوله جلّ من قائل :
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا) [آل عمران ٣ / ١٣٧].
وقوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها ، أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ، فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج ٢٢ / ٤٦].
وقوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت ٢٩ / ٢٠].