البشارة العشرون
فيه : عن الفصل الأوّل من كتاب ميلكيس (١) وهو الذي يقول بنو إسرائيل بنبوّته ، يقول الله سبحانه : إنّه يأتي زمان كالتنور المسجرة ، والظلمة فيه كالذرة فتحترق فيه أهل الظلم بحيث لا يبقى منهم عرق ، وسيطلع عليكم أيها الخائفين عن اسمي من تحت جناحه شمس العدالة والشفاء ، إلى أن يقول عزوجل : إنّا سنبعث عليكم قبله الإيليا. هذا ولم ينقل النصارى محو آثار الظلمة في زمان عيسى ، وكيف يختص هذا الخبر من قطع عرق الظلم ومحو آثاره بزمانه مع اتّفاقهم على شيوعه في ذلك الزمان خاصة واجتماعهم على قتل المسيح وصلبه وهكذا بعده من الأزمنة؟ واتفقت الكلمة وتواتر الأخبار على محوه في زمان القائم وامتلاء العالم من العدل والقسط ، ولم ينقطع ولم يمح في زمان نبي من الأنبياء ، فتعيّن أنّه المعتبر بشمس العدالة والشفاء حتّى يملأ الأرض بوجوده قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.
والمراد من أنّ الشفاء يكون تحت جناحه حتّى يشتفي به مرض جميع الكفّار والمخالفين ولا يبقى من مرض الكفر والشرك على وجه الأرض قط أبدا. والمراد بإيليا هو قطب الأولياء أمير المؤمنين عليهالسلام لأن إيليا على اصطلاحهم الإلياس ، وليس المراد إلياس النبي لأنّ هذه العبارة الصادرة من ميلكيس وإنّما هو في زمان المسيح ، وإلياس في عصر داود فالإلياس قبل ميلكيس بأزمنة بعيدة فلا ينطبق على إلياس نفسه. وليس المراد به يحيى لأنّه ذكر في الفصل الأوّل من انجيل يوحنا أنّ اليهود أرسلوا علماءهم إلى يحيى وسألوه : أنّك الإيلياء الموعود؟ فأجابهم : إنّي لست بإيلياء الموعود وإنّما أنا يحيى ، فيظهر أنّ اليهود كانوا ينتظرونه إلى زمان يحيى ، على أن ما استظهر من الفصول الإنجيلية هو أنّ المسيح ويحيى كانا معاصرين ، فظهر ممّا ذكر أنّ البشارة السابقة من قوله : إنّا نبعث قبل ذلك اليوم المهول الإلياء لا ينطبق على ما ذكر وأنّ المراد به هو أمير المؤمنينعليهالسلام.
ويؤيّده ما تواتر به الإخبار من أنّ اسمه عليهالسلام في التوراة إيليا (٢).
__________________
(١) لم أجد في العهد القديم والعهد الجديد هذا الاسم.
(٢) راجع الاحتجاج : ١ / ٣٠٨ ومناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٠٠ و: ٣ / ٦٧.