وأمّا ما روي من الأخبار من امتحان الشيعة في حال الغيبة ، وصعوبة الأمر عليهم واختيارهم للصبر عليه ، فالوجه فيها الإخبار عمّا يتّفق من ذلك من الصعوبة والمشاق ، لا أن الله تعالى غيّب الإمام ليكون ذلك ، وكيف يريد الله وما ينال المؤمنين من جهة الظالمين ظلم منهم لهم ومعصية والله لا يريد ذلك ، بل سبب الغيبة هو الخوف على ما قلناه ، وأخبروا بما يتّفق في هذه الحال ، وما للمؤمن من الثواب على الصبر على ذلك والتمسّك إلى أن يفرّج الله عنهم (١).
فاكهة : اعلم أنّ بعض المخالفين يشنعوننا بأنّه إذا لم يمكن التوسّل إلى إمام زمانكم ، ولا أخذ المسائل الدينية عنه فأيّ ثمرة تترتّب على مجرّد معرفته حتّى يكون من مات وليس عارفا به فقد مات ميتة الجاهلية؟ والإمامية يقولون : ليست الثمرة منحصرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه ، بل نفس التصديق بوجوده وأنّه خليفة الله في الأرض أمر مطلوب لذاته ، وركن من أركان الايمان كتصديق من كان في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله بوجوده ونبوّته.
وقد روي عن جابر بن عبد الله أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ذكر المهدي فقال : ذلك الذي يفتح الله عزوجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت فيها إلّا من امتحن الله قلبه للايمان ، فقلت : يا رسول الله هل لشيعته انتفاع به في غيبته؟ فقال صلىاللهعليهوآله : إي والذي بعثني بالحقّ إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها السحاب(٢).
ثمّ قالت الإمامية : إنّ تشنيعكم علينا مقلوب عليكم ؛ لأنّكم تذهبون إلى أنّ المراد بإمام الزمان في هذا الحديث صاحب الشوكة من ملوك الدنيا كائنا من كان ، عالما أو جاهلا عدلا أو فاسقا ، وأيّ ثمرة على معرفة الجاهل الفاسق ليكون من مات ولم يعرفه فقد مات ميتة جاهلية؟
فاكهة اخرى : حكى السيّد صاحب المقام رضيّ الدين علي بن طاوس أنّه اجتمع يوما في بغداد مع بعض فضلائه فانجرّ الكلام بينهما إلى ذكر الإمام محمّد بن الحسن المهدي ، عجل الله فرجه وما تدّعيه الإمامية من حياته في هذه المدّة الطويلة ، فشنع ذلك الفاضل على من يصدق بوجوده ويعتقد طول عمره إلى ذلك الزمان إنكارا بليغا. قال
__________________
(١) غيبة الطوسي : ٣٣٥.
(٢) أمالي الصدوق : ١١١ المجلس ٢٣ ح ٩.