الفرع الثامن
في علّة الغيبة وكيفية انتفاع الناس به في غيبته عليهالسلام
في العوالم والبحار عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليهالسلام : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها ، يرتاب فيها كل مبطل ، فقلت له : ولم جعلت فداك؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال : وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره ، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليهالسلام إلّا وقت افتراقهما. يا ابن الفضل إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله ، وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنّه عزوجل حكيم صدقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا (١).
وفيه : عن الأعمش عن الصادق عليهالسلام قال : لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان : فقلت للصادق عليهالسلام : فكيف ينتفع بالحجّة الغائب المستور؟
قال عليهالسلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب (٢).
وفيه : عن إسحاق بن يعقوب أنّه ورد عليه من الناحية المقدّسة على يد محمّد بن عثمان : وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (٣) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد
__________________
(١) البحار : ٥٢ / ٩١ ح ٤ وكمال الدين : ٤٨٢.
(٢) البحار : ٢٣ / ٥ ح ١٠ وأمالي الصدوق : ٢٥٣.
(٣) سورة المائدة : ١٠١.