الفرع العاشر
في أن اثني عشر لا ينطبق في بني أميّة كما زعم
ولا في بني العبّاس ، بل في بني فاطمة عليهمالسلام
اعلم أنّه إذا تأمّل المنصف عرف أنّ الأحاديث الشريفة النبوية في خصوص الاثني عشر لا تنطبق إلّا على مذهب الإمامية لقرائن كثيرة منها : أنّ خليفة النبي صلىاللهعليهوآله لا بدّ وأن يكون عالما عاملا عاقلا ورعا تقيّا حاويا للخصال الحميدة ومنزها عن الصفات القبيحة ، تاركا لما يجب وينبغي تركه ، بصيرا حاذقا ، إلى غير ذلك ممّا هو من لوازم خلافة مثله صلىاللهعليهوآله المبعوث لهداية الخلق وتهذيبهم وتكميلهم وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة ، فمن خلفه وجلس مجلسه لا بدّ وأن يكون له حظّ وافر من ذلك حتّى يصدق عليه الخلافة التي أخبر بها من جهة نبوّته ورسالته ، لا من حيث سلطنته وملكيّته وغلبته على البلاد والعباد ، مع أنّ في طرق بعض الأخبار المذكورة : يعمل بالهدى ودين الحقّ ، وجعلهم بمنزلة نقباء بني إسرائيل وحواريي عيسى عليهالسلام وقيام الدين وعزّته بهم ، وعزّة الدين بصلاح أهله لا بسعة الملك وكثرة المال وإن لم يكن لهم حظّ من الدين إلّا الإقرار باللسان ، وهذا المعنى في هذا العدد من هذه القبيلة لم يتّفق بالاتّفاق إلّا في الاثني عشر الذين اتخذهم الإمامية ، فإنّهم عند جمع من أهل السنّة علماء حكماء صلحاء عبّاد زاهدون جامعون لكلّ ما ينبغي أن يكون في الخليفة ، كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار.
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : قال القاضي عياض : لعلّ المراد بالاثني عشر في الأحاديث وما شابهها أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة وقوّة الإسلام واستقامة اموره ، والاجتماع على من يقوم بالخلافة ، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني امية ، ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد ، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العبّاسية فاستأصلوا أمرهم.
وأيّده ابن حجر في شرح البخاري قال : كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث