وأرجحه ؛ لأنّ في بعض طرق الحديث : «كلّهم يجتمع عليه الناس» وهو انقيادهم لبيعته ، والذي وقع أنّ الناس اجتمعوا على أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ثمّ علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمّى معاوية يومئذ بالخلافة ، ثمّ اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ثمّ اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثمّ لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثمّ اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثمّ سليمان ثمّ يزيد ثمّ هشام ، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين.
والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمّه هشام فولي نحو أربع سنين ، ثمّ قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيّرت الأحوال من يومئذ ، ولم يتّفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك ؛ لأنّ يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمّه الوليد بن يزيد لم تطل مدّته ، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عمّ أبيه مروان بن محمد بن مروان ، ولمّا مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فقتله مروان ثمّ ثار على مروان بنو العبّاس إلى أن قتل ، ثمّ كان أوّل خلفاء بني العبّاس السفاح ولم تطل مدّته مع كثرة من ثار عليه ، ثمّ ولي عليه أخوه المنصور فطالت مدّته لكن خرج عليهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس ، واستمرّت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسمّوا بالخلافة بعد ذلك ، وانفرط الأمر إلى أن لم يبق من الخلافة إلّا الاسم في البلاد ، بعد أن كان في أيّام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض ، شرقا وغربا ، يمينا وشمالا ممّا غلب عليه المسلمون ، ولا يتولّى أحد في بلد من البلاد كلّها الإمارة على شيء منها إلّا بأمر الخليفة.
ومن انفراط الأمر أنّه كان في المائة الخامسة بالأندلس وحدها ستّة أنفس ، كلّهم يتسمّى بالخلافة ومعهم صاحب مصر العبيدي والعبّاس ببغداد خارجا عمّن كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج. انتهى (١).
وحاصل كلامه : أنّ المراد بالخلفاء الاثني عشر الذين أخبر بهم النبي صلىاللهعليهوآله وأنّهم سبب عزّ الدين ، وكلّهم يعملون بالهدى ودين الحقّ هم الخلفاء الأربعة ومعاوية وولده يزيد وعبد
__________________
(١) فتح الباري : ١٣ / ١٨٢ ط. دار المعرفة ، بيروت.