قلنا : آباؤه عليهمالسلام حالهم بخلاف حاله لأنّه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم لا يرون الخروج عليهم ، ولا يعتقدون أنّهم يقومون بالسيف ويزيلون الأول ، بل كان المعلوم من حالهم أنّهم ينتظرون مهديا وليس يضرّ السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم ، وليس كذلك صاحب الزمان ؛ لأنّ المعلوم منه أن يقوم بالسيف ويزيل الممالك ويقهر كلّ سلطان ويبسط العدل ويميت الجور ، فمن هذه صفته يخاف جانبه وتتقى فورته فيتبع ويوصل ويوضع العيون عليه ، ويعنى به خوفا من وثبته ورهبة من تمكنه ، فيخاف حينئذ ويخرج إلى التحرّز والاستظهار بأن يخفي شخصه عن كلّ من لا يأمنه من وليّ وعدوّ إلى وقت خروجه.
وأيضا فآباؤه إنّما ظهروا لأنّه كان المعلوم أنّه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسدّ مسدّه من أولادهم وليس كذلك صاحب الزمان عجل الله فرجه لأنّ المعلوم أنّه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف ، فلذلك وجب استتاره وغيبته ، وفارق حاله حال آبائه ، وهذا واضح بحمد الله.
فإن قيل : بأيّ شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره ، بالوحي من الله فالإمام لا يوحى إليه ، أو بعلم ضروري فذلك ينافي التكليف ، أو بأمارة توجب غلبة الظنّ ففي ذلك تقرير بالنفس.
قلنا : عن ذلك جوابان :
أحدهما : أنّ الله أعلمه على لسان نبيّه وأوقفه عليه من جهة آبائه زمان غيبته المخوفة وزمان زوال الخوف عنه ، فهو يتبع في ذلك ما شرع له واوقف عليه ، وإنّما أخفى ذلك عنّا لما فيه من المصلحة ، فأمّا هو فعالم به لا يرجع إلى الظنّ.
والثاني : أنّه لا يمتنع أن يغلب على ظنّه بقوّة الامارات بحسب العادة قوّة سلطانه ، فيظهر عند ذلك ويكون قد اعلم أنّه متى غلب في ظنّه كذلك وجب عليه ، ويكون الظنّ شرطا والعمل عنده معلوما ، كما تقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود ، والعمل على جهات القبلة بحسب الامارات والظنون ، وإن كان وجوب التنفيذ للحكم والتوجّه إلى القبلة معلومين وهذا واضح بحمد الله (١).
__________________
(١) غيبة الطوسي : ٣٣١.