الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمهالله مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له : إنّي اريد أن أسألك عن شيء ، فقال له : سل عمّا بدا لك ، فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليهالسلام أهو ولي الله؟ قال : نعم.
قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدوّ لله؟ قال : نعم. قال له الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عزوجل عدوّه على وليّه؟ فقال له أبو القاسم قدّس الله روحه : افهم ما أقول لك : اعلم أنّ الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ولا يشافههم بالكلام ولكنّه جلّت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشرا مثلهم ، ولو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلمّا جاءوهم ، وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم : أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتّى تأتونا بشيء نعجز عن أن نأتي بمثله فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ، فجعل الله عزوجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ؛ فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرّد ، ومنهم من القي في النار فكانت عليه بردا وسلاما ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى من ضرعها لبنا ، ومنهم من فلق له البحر وفجّر له من العيون وجعل له العصا اليابسة ثعبانا تلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشق له القمر وكلّمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.
فلمّا أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من اممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين واخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين واخرى مقهورين ، ولو جعلهم الله عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنّه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبّرين ، وليعلم العباد أنّ لهم إلها هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدونه ويطيعون رسله ، وتكون حجّة الله ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم وادّعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء