دخلت على قبيحة (١) الساعة فوجدتها قد كتبت على خدها بغالية (٢) «جعفر» ، فو الله ما رأيت شيئا أحسن من سواد تلك الغالية على بياض ذلك الخدّ ، فقل في هذا شيئا. قال : وكانت محبوبة (٣) جالسة من وراء الستارة تسمع الكلام ، قال : إذ دعي لعلي بالدواة والدرج ، وأخذ يفكر ، قالت على البديهية (٤) :
وكاتبة بالمسك في الخدّ جعفرا |
|
بنفسي محطّ المسك من حيث أثّرا |
لئن كتبت (٥) في الخدّ سطرا بكفّها |
|
لقد أودعت قلبي من الحبّ (٦) أسطرا |
فيا من لمملوك لملك يمينه |
|
مطيع له فيما أسرّ وأظهرا |
ويا من مناها في السّريرة جعفر |
|
سقى الله من سقيا ثناياك جعفرا |
وبقي علي بن الجهم واجما لا ينطق بحرف ، وأمر المتوكل عريبا فغنت في هذا الشعر.
وفي رواية أخرى :
أن المتوكل لما رآها أنشد هو هذه الأبيات (٧) :
قال علي بن الجهم (٨) :
لما أفضت الخلافة إلى المتوكل على الله أهدى إليه عبد الله بن طاهر من خراسان جواري (٩) ، فكانت فيهن جارية يقال لها محبوبة ، وكانت قد نشأت في الطائف ، وكان لها
__________________
(١) اسم زوجته ، وأم ولده المعتز ، وكان المتوكل مشغوفا بها ولا يصبر عنها.
(٢) الغالية : أخلاط من الطيب.
(٣) محبوبة شاعرة ، مولدة من مولدات البصرة ، وكانت أجمل من فضل وأعف ، انظر أخبارها في الأغاني ٢٢ / ٢٠٠.
(٤) الأبيات نسبها هنا أبو الفرج إلى محبوبة ٢٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ونسبها إلى فضل الشاعرة في ١٩ / ٣١٠ ـ ٣١١ وكانت فضل مولدة من مولدات البصرة ، وأمها من مولدات اليمامة ، ونشأت في دار رجل من عبد القيس وكانت أديبة فصيحة سريعة البديهة مطبوعة في قول الشعر ، ولم يكن في نساء زمانها أشعر منها الأغاني ١٩ / ٣٠١.
(٥) الأغاني ١٩ / ٣١١ أثرت.
(٦) الأغاني ١٩ / ٣١١ الحزن.
(٧) انظر البداية والنهاية ٧ / ٣٦٦ وتاريخ الخلفاء ص ٤١٠.
(٨) الخبر والشعر في الأغاني ٢٢ / ٢٠٢ من طريق جعفر بن قدامة قال : حدثني ملاوي الهيثمي قال : قال لي علي بن الجهم ، فذكره. ورواه مختصرا السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤١٤ نقلا عن ابن عساكر.
(٩) كذا.