مولى مغرى بالأدب ، وكانت قد أخذت عنه وروت الأشعار ، وكان المتوكل بها معجبا ، فغضب عليها ومنع جواري القصر من كلامها ، فكانت في حجرتها لا يكلمها أحد أياما ، فرأته في المنام كأنه قد صالحها. قال علي : فلما أصبح دخلت عليه فقال : يا علي ، أشعرت أنّي رأيت محبوبة في منامي كأني قد صالحتها وصالحتني! فقلت : خيرا يا أمير المؤمنين ، إذا يقرّ الله عينك ، ويسرّك ، فو الله إنا لفيما نحن فيه من حديثها ، إذ جاءت وصيفة لأمير المؤمنين فقالت : يا سيدي ، سمعت صوت عود من حجرة محبوبة ، فقال أمير المؤمنين : قم بنا يا علي ننظر ما هذا الأمر! فنهضنا حتى أتينا حجرتها ، فإذا هي تضرب بالعود وتقول :
أدور في القصر لا أرى أحدا |
|
أشكو إليه ولا يكلّمني |
حتى كأنّي أتيت (١) معصية |
|
ليست لها توبة تخلّصني |
فهل شفيع لنا (٢) إلى ملك |
|
قد رآني (٣) في الكرى فصالحني |
حتّى إذا ما الصّباح لاح لنا |
|
عاد إلى هجره فصارمني |
قال : فصاح أمير المؤمنين وصحت معه ، فسمعت فتلقت أمير المؤمنين ، وأكبّت على رجليه تقبلهما فقالت : يا سيدي ، رأيتك في ليلتي هذه كأنك قد صالحتني. فقال : وأنا والله قد رأيتك ، فردّها إلى مرتبتها كأحسن ما كانت.
فلما كان من أمر المتوكل ما كان (٤) ، تفرقن وصرن إلى القوّاد ، ونسين أمير المؤمنين ، فصارت محبوبة إلى وصيف الكبير ، فما كان لباسها إلا البياض ، وكانت تنتحب وتشهق ، إلى أن جلس وصيف يوما للشرب ، وجلس جواري المتوكل يغنينه ، فما بقيت منهن واحدة إلّا تغنت غيرها. فقالت : إن رأى الأمير أن يعفيني فأبى. فقال لها الجواري : لو كان في الحزن فرج لحزنا معك. وجيء بالعود فوضع في حجرها فأنشأت تقول :
أيّ عيش يطيب (٥) لي |
|
لا أرى فيه جعفرا |
__________________
(١) الأغاني : ركبت.
(٢) الأغاني : فهل لنا شافع.
(٣) الأغاني وتاريخ الخلفاء : زارني.
(٤) يعني لما قتل ، والخبر والشعر في الأغاني ٢٢ / ٢٠١ ـ ٢٠٢ وتاريخ الخلفاء ص ٤١١ وسير الأعلام ١٢ / ٤٠ ـ ٤١.
(٥) تاريخ الخلفاء وسير الأعلام : يلذ.