قال : فأصبحت فإذا الناس يخبرون أن جعفرا المتوكل قد قتل في هذه الليلة.
قال أبو عبد الله :
ثم رأيت المتوكل بعد هذا بأشهر كأنه بين يدي الله تعالى ، فقلت : ما فعل بك ربك؟ قال : غفر لي. قلت : بما ذا؟ قال : بالقليل من السّنّة تمسكت بها. قلت : فما تصنع هاهنا؟ قال : أنتظر محمدا ابني (١) ، أخاصمه إلى الله الحليم العظيم الكريم.
حدث إسماعيل بن داود :
أن المتوكل وصف له سيف بمصر ، فأنفذ رسولا قاصدا في طلبه ، وكتب له إلى عامل مصر ، فلما وصل إليه سأله عن السيف فأخبر أن السيف بدمشق ، فركب الرسول إلى دمشق وسأل عن السيف ، فأخبر أنه صار إلى الحجاز ، فعاد الرسول إلى المتوكل فأخبره بذلك ، فأنفذ رسولا إلى الحجاز بكتابه إلى عامله بها ، فبحث عن السيف فأخرج إليه ، فأخذه ، ومضى به إلى المتوكل وهو بسر من رأى. فلما رآه المتوكل لم يعجب به ورآه وحشا واستزراه وتصفح وجوه الغلمان الذين حوله فرأى غلاما تركيا يقال له ياغر وكان سمجا ، فقال له : أنت وحش وهذا السيف وحش فخذه ، فلما صار عنده ومضت مدة دخل ياغر في ليلة من الليالي بالسيف فقتل به المتوكل ، وكان من أمره ما كان به.
بويع جعفر المتوكل في ذي الحجة (٢) سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وقتل ليلة الأربعاء لأربع (٣) خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ، فكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر ويوما واحدا (٤) ، وأمه أم ولد تركية يقال لها شجاع ، وكنيته أبو الفضل ، وصلى عليه المنتصر ، وكان عمره أربعين (٥) سنة ، ومولده سنة سبع ومائتين.
قال أبو أيوب جعفر بن أبي عثمان الطيالسي : أخبرني بعض الزمازمة الذين يحفظون زمزم قال (٦) :
__________________
(١) يعني محمدا المنتصر ، حيث إنه تمالأ وجماعة من الأمراء على قتل أبيه ، فقتلوه ، وبويع له بالخلافة في الليلة التي قتل فيها ، وفي صباح اليوم التالي أخذت له البيعة من العامة.
(٢) في وفيات الأعيان : لست بقين من ذي الحجة.
(٣) تاريخ بغداد ٧ / ١٧٢ ، وفي وفيات الأعيان ١ / ٣٥٠ لثلاث.
(٤) في وفيات الأعيان : وتسعة أيام ، وفي تاريخ بغداد : وعشرة أشهر وثلاثة أيام.
(٥) في وفيات الأعيان : إحدى وأربعون سنة.
(٦) الخبر في تاريخ بغداد ٧ / ١٧٢.