حتى ختمها. فقال له عبد الملك : قضينا لك أنك أشعر من مضى ومن بقي.
واستأذنت قيس عبد الملك في أن ينشد جرير فأبى ، ولم يزل مقيما دهرا يلتمس إنشاد عبد الملك ، وقيس تشفع له ، وعبد اللك يأبى إلى أن أذن له يوما فأنشد (١) :
أتصحو أم (٢) فؤادك غير صاح |
|
عشيّة همّ صحبك بالرّواح |
فقال له عبد الملك : بل فؤادك يا ابن اللخناء. فلما انتهى إلى قوله :
تعزّت أمّ حزرة ثمّ قالت : |
|
رأيت الموردين ذوي لقاح (٣) |
تعلّل وهي ساغبة (٤) بنيها |
|
بأنفاس من الشّبم القراح (٥) |
فقال عبد الملك : لا أروى الله غلمتها. فلما انتهى إلى قوله :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
قال عبد الملك : من مدحنا فليمدحنا هكذا. فلما ختمها أمره بإعادتها ، فلما أنشد :
أتصحو أم فؤادك غير صاح
لم يقل له ما قال في المرة الأولى. فلما ختمها ، أمر له بمائة ناقة بأداتها ورعاتها. فقال جرير : يا أمير المؤمنين ، اجعلها من إبل كلب ـ وإبل كلب سود كرام ـ فأجابه (٦).
حدّث محمد بن خطاب الأزدي
أن الأخطل أنشد عبد الملك بن مروان وجرير خلفه (٧) :
__________________
(١) الأبيات من قصيدة يمدح عبد الملك بن مروان ، وهي في ديوانه ص ٧٣ (ط. بيروت). والبيت التالي مطلع القصيدة المذكورة.
(٢) في الديوان : بل.
(٣) عجزه في الديوان :
رأيت الواردين ذوي امتناع
(٤) ساغبة أي جائعة.
(٥) الشبم : الماء البارد ، والقراح : الماء العذب.
(٦) الخبر في وفيات الأعيان ١ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦ وزيد فيه أن جرير قال : قلت يا أمير المؤمنين ، نحن مشايخ وليس بأحدنا فضل عن راحلته ، والإبل أباق. فلو أمرت لي بالرعاء ، فأمر لي بثمانية ، وكان بين يديه صحاف من الذهب وبيده قضيب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، والمحلب؟ وأشرت إلى إحدى الصحاف فنبذها إلي بالقضيب ، وقال : خذها ، لا نفعتك.
(٧) البيت رقم ٣١ من قصيدة يمدح بشر بن مروان ويهجو فيها أعداءه ، ديوانه ص ١٢٨ و١٣٢.