وكان ابن عمر يقول : هو أعلم الناس بما أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم.
وشهد ابن عباس مع علي بن أبي طالب عليهالسلام صفين وقتال الخوارج بالنّهروان (١) ، وورد في صحبته المدائن (٢) ، وكان ابن عباس إذا قعد أخذ مقعد الرجلين (٣) ، وكان يخضب بالسواد.
قال ابن جريج : كنا جلوسا مع عطاء بن أبي رباح في المسجد الحرام فتذاكرنا ابن عباس وفضله ، وعلي ابن عبد الله في الطواف وخلفه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فعجبنا من تمام قامتهما وحسن وجوههما ، قال عطاء : وأين حسنهما من حسن عبد الله بن عباس ، ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة وأنا في المسجد الحرام طالعا من جبل أبي قبيس إلّا ذكرت وجه عبد الله بن عباس (٤) ، ولقد رأيتنا جلوسا معه في الحجر إذ أتاه شيخ فديم (٥) بدوي من هذيل يهدج على عصاه فسأله عن مسألة فأجابه ، فقال الشيخ لبعض من معه : من هذا الفتى؟ قالوا : هذا عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. قال الشيخ : سبحان الله الذي غيّر حسن عبد المطلب إلى ما أرى. قال عطاء : فسمعت ابن عباس يقول : سمعت أبي يقول : كان عبد المطلب أطول الناس قامة ، وأحسن الناس وجها ، ما رآه أحد قط إلا أحبه. وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره ، ولا يجلس عليه معه أحد ، وكان النديّ من قريش حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو صغير ، لم يبلغ ، فجلس على المفرش فجبذه رجل ، فبكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عبد المطلب ـ وذلك بعد ما كفّ بصره ـ : ما لابني يبكي؟! قالوا له : أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه ، فقال عبد المطلب : دعوا ابني يجلس عليه ، فإنه يحسّ من نفسه بشرف ، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده ، ومات عبد المطلب والنبي صلىاللهعليهوسلم ابن ثماني سنين ، وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون.
__________________
(١) النهروان : أكثر ما يجري على الألسنة بكسر النون ، وهي ثلاثة نهراوانات الأعلى والأوسط والأسفل. وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي (معجم البلدان ٥ / ٣٢٥).
(٢) المدائن : سمتها العرب بالمدائن ، لأنها سبع مدائن بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة أو بعيدة ، وهي اليوم بليدة شبيهة بالقرية بينها وبين بغداد ستة فراسخ. (معجم البلدان ٥ / ٧٥).
(٣) الإصابة ٢ / ٣٣١.
(٤) إلى هنا رواه الذهبي في سير الأعلام ٦ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧.
(٥) الفدم من الناس ، العيي عن الحجة والكلام في ثقل ورخاوة وقلة فهم.