وعن عبد الله بن بريدة قال (١) : شتم رجل ابن عباس ، فقال : إنك تشتمني وفيّ ثلاث خصال : إني لآتي على الآية من كتاب الله عزوجل فلوددت أن جميع الناس علموا (٢) منها مثل الذي أعلم ، وإني لأسمع الحاكم (٣) من حكام المسلمين يقضي بالعدل (٤) فأفرح به ، ولعلي لا أقاضى إليه أبدا ، وإني لأسمع بالغيث يصيب (٥) الأرض من أرض المسلمين فأفرح به وما لي سائمة أبدا.
وعن ابن أبي مليكة قال (٦) : صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ، ومن المدينة إلى مكة ، فكان يصلي ركعتين ركعتين ، فإذا نزل قام ينتظر (٧) الليل ، فيرتل القرآن حرفا حرفا ، ويكثر من النشيج قلت : وما النشيج؟ قال : النحيب ، البكاء ، ويقرأ : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [سورة ق ، الآية : ١٩].
قال شعيب بن درهم (٨) : كان هذا الموضع ـ وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه ـ من خدي ابن عباس ، مثل الشراك البالي من كثرة البكاء.
جاء (٩) رجل إلى ابن عباس فقال : يا ابن عباس ، كيف صومك؟ قال : أصوم الاثنين والخميس ، قال : ولم؟ قال : لأن الأعمال ترفع فيها ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
__________________
(١) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ من طريق محمد بن أحمد بن الحسن ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة ، وذكره. ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٦ / ٦٢ والبلاذري في أنساب الأشراف ٤ / ٥٢.
(٢) في الحلية : يعلمون منها ما أعلم.
(٣) في الحلية والبداية والنهاية : بالحاكم.
(٤) في البداية والنهاية : يقضي بالعدل ويحكم بالقسط.
(٥) في الحلية : قد أصاب البلد من بلاد المسلمين.
(٦) رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٤ / ٥٣ من طريق روح بن عبد المؤمن حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبي عامر الخزاز عن عبد الله بن أبي مليكة ، فذكره باختلاف الرواية. ورواه الذهبي في سير الأعلام ٣ / ٣٥٢ وتاريخ الإسلام (١٥٨) وابن كثير في البداية والنهاية ٦ / ٦٢ وأبو نعيم في الحلية ١ / ٣٢٧.
(٧) في سير الأعلام وتاريخ الإسلام : شطر الليل.
(٨) رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٦ / ٦٢ من هذه الطريق. وفي أنساب الأشراف ٤ / ٥٢ وسير الأعلام ٣ / ٣٥٢ والحلية ١ / ٣٢٩ وتاريخ الإسلام (١٥٨) عن شعيب بن درهم عن أبي رجاء العطاردي.
(٩) رواه الذهبي في سير الأعلام ٣ / ٣٥٢ من طريق عبد الوهاب الحقاف عن أبي أمية بن يعلى عن سعيد بن أبي سعيد قال : كنت عند ابن عباس ، وذكره. وانظر البداية والنهاية ٦ / ٦٢ وتاريخ الإسلام (١٥٨).