وأفضل البررة ، وأصبر القراء (١) ، هجّادا (٢) بالأسحار ، كثير الدموع عند ذكر الدار (٣) ، دائب الفكر فيما يعنيه بالليل والنهار ، نهاضا إلى كل مكرمة ، سعّاء إلى كل منقبة ، فرّارا من كل موبقة ، صاحب جيش العسرة (٤) ، وصاحب البئر (٥) ، وختن المصطفى عليهالسلام على ابنتيه ، فأعقب الله من ثلبه الندامة إلى يوم القيامة.
قال معاوية : فما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال : رحم الله أبا الحسن ، كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحلّ الحجا ، وطود النّدى (٦) ، ونور السفر (٧) في ظلم الدجى ، وداعيا إلى المحجّة العظمى ، وعالما بما في الصحف الأولى ، وقائما بالتأويل والذكرى متعلقا بأسباب الهدى ، وتاركا للجور والأذى ، وحائدا عن طرقات الردى ، وخير من آمن واتقى ، وسيّد من تقمّص وارتدى ، وأفضل من حجّ وسعى ، وأسمح من عدل وسوّى ، وأخطب أهل الدنيا سوى الأنبياء والمصطفى ، وصاحب القبلتين ، وزوج خير النساء ، وأبو السّبطين ، لم تر عين مثله ، ولا ترى أبدا حتى القيامة واللقاء. فعلى من لعنه لعنة الله والعباد إلى اليوم القيامة.
قال معاوية : فما تقول في طلحة والزبير؟ قال : رحمة الله عليهما ، كانا والله عفيفين ، مسلمين ، برّين ، طاهرين ، مطهّرين ، شهيدين ، عالمين بالله ، لهما النصرة القديمة والصحبة الكريمة ، والأفعال الجميلة ـ وفي حديث آخر : زلّا زلّة الله غافرها لهما.
قال : ما تقول في العباس بن عبد المطلب؟ قال : رحم الله أبا الفضل ، كان والله صنو أبي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقرّة عين صفي الله ، لهميم (٨) الأقوام ، وسيّد الأعمام ، قد علا بصرا بالأمور ، ونظرا في العواقب (٩). علم تلاشت الأحساب عند ذكر فضيلته ، وتباعدت الأنساب
__________________
(١) في المجمع : وأصبر الغزاة.
(٢) في مختصر ابن منظور : «هجاد» «والمثبت عن المجمع والمعجم الكبير.
(٣) كذا ، وفي المعجم الكبير والمجمع : الله.
(٤) كان عثمان بن عفان (رضي) قد جهز نصف جيش العسرة من ماله وهو جيش غزوة تبوك ، حيث حض النبي صلىاللهعليهوسلم أهل الغنى على النفقة والحملان (انظر سيرة ابن هشام ٤ / ١٦١).
(٥) يعني بئر رومة ، وكان ماؤها يباع لابن السبيل ، فابتاعها عثمان بن عفان ووقفها على المسلمين وأباحها ابن السبيل.
(٦) في المعجم الكبير : طود النهى.
(٧) في المعجم الكبير والمجمع : نور السرى.
(٨) اللهميم واللهموم : الجواد من الناس والخيل (اللسان).
(٩) في المعجم الكبير : «نظر في العواقب» وفي المجمع : «نظرا بالعواقب».