في جاهليّتي أبغي بعيرا شرد منّي ، أقفو أثره في تنائف (١) حقاف (٢) ، ذات ضغابيس (٣) ، وعرصات جثجاث (٤) بين صدور جرعان وغمير حوذان (٥) ، ومهمه ظلمان (٦) ، ورضيع أيهقان (٧) ، وبينا أنا في غوائل الفلوات أجول سبسبها وأرمق فدفدها (٨) ، إذ جنّني اللّيل فلجأت إلى هضبة في ستارتها أراك كباث (٩) مخضوضلة (١٠) بأغصانها ، كأن بريرها (١١) حبّ فلفل في بواسق أقحوان ، وقد مضى من الليل ثلثه الأوّل ، فغلبتني عيني ، فرقدت ، فإذا أنا بهاتف يقول :
وسنان أم تسمع ما أنبيكا |
|
فارحل هديت وابتغى دميكا (١٢) |
يفري قيام الآل والدلوكا (١٣) |
|
حتى تحلّ منهلا مسلوكا |
بيثرب يحظى به سنوكا |
|
ائت رسولا عبد المليكا |
يدني إليه الحرّ والمملوكا |
|
ويقبل السّوقة والملوكا |
رسول صدق يفرج الشّكوكا |
فاستيقظت لذلك ، وأنشأت أقول (١٤) :
__________________
(١) وفي رواية : في فيافي. وفي دلائل النبوة للبيهقي : نتائف. والتنائف : جمع تنوفة ، وهي المغارة والفلاة البعيدة التي لا أثر لها.
(٢) في السيرة النبوية ودلائل البيهقي : «حقائق» وفي البداية والنهاية : «قفاف» والحقاف جمع حقف : وهو الكثب المجتمع المائل الرمل.
(٣) الضغابيس جمع ضغبوس وهو نبت شبه العراجين ، طويل يؤكل.
(٤) جثجاث : نبت أصفر طيب الرائحة.
(٥) حوذان : هي بقلة فيها انضمام ، لها قضب وورق ونور أصفر.
(٦) الظلمان جمع ظليم وهو ذكر النعام.
(٧) الأيهقان : الجرجير البري ، وفي البداية والنهاية : «ورصيع ليهقان» والرصيع بالصاد المهملة ، من الرصيعة : أي المزيّن.
(٨) الفدفد : المكان الصلب المرتفع ، وفي البداية والنهاية : وأرنق فدفدها.
(٩) الكباث ثمر الأراك قبل أن ينضج.
(١٠) المخضوضلة : الرطبة الندية.
(١١) البرير : ثمر الأراك إذا نضج ، انظر منال الطالب لابن الأثير ص ١٣٠ ـ ١٣٥ ، فقد استفدنا بهذه الشروح للكلمات الصعبة منها.
(١٢) الدميك : الناقة الصلبة السريعة.
(١٣) الدلوك : غروب الشمس.
(١٤) الأرجاز باختلاف بعض الألفاظ في دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ١١٠ والخبر المتقدم في السيرة النبوية ٣ / ٤٣٣ والبداية والنهاية ٢ / ٢٩٤.