معه إلى مجلس الحكم أو وكيلك ، إن شاء الله ، ووجّه بالكتاب مع عونين (١) من أعوانه ، فحضرا باب عيسى ، ودفعا الكتاب إليه ، فغضب ، ورمى به ، فانطلقا فأخبراه ، فكتب إليه : حفظك الله ، وأبقاك ، وأمتع بك ، لا بد من أن تصير أنت وخصمك إلى مجلس الحكم ، فإن أبيت أنهيت أمرك إلى أمير المؤمنين ، ووجه بالكتاب مع عدلين (٢) ، فقعدا على باب عيسى حتى خرج ، فقاما إليه ، ودفعا إليه كتاب القاضي ، فلم يقرأه ، ورمى به ، فأبلغاه ذلك ، فختم قمطره (٣) وانصرف ، وقعد في بيته ، فبلغ الخبر الرشيد ، فدعاه ، وسأله عن أمره ، فأخبره بالقصة عن آخرها ، حرفا حرفا ، فقال لإبراهيم بن عثمان : صر إلى باب عيسى بن جعفر ، واختم عليه أبوابه كلها ، ولا يخرجن أحد ، ولا يدخلن أحد عليه حتى يخرج إلى الرجل من حقه أو يصير معه إلى الحاكم ، فأحاط إبراهيم بداره ، ووكل بها خمسين فارسا ، وغلقت أبوابه ، فظن عيسى أنه قد حدث للرشيد رأي في قتله ، ولم يدر ما سبب ذلك ، وجعل يكلم الأعوان من خلف الباب ، وارتفع الصياح من داره ، وصرخ النساء ، فأمرهن أن يسكتن ، وقال لبعض غلمان إبراهيم : ادع لي أبا إسحاق لأكلمه ، فأعلموه ما قال ، فجاء حتى صار إلى الباب ، فقال له عيسى : ويلك! ما حالنا؟ فأخبره خبر ابن ظبيان ، فأمر أن يحضر خمس مائة ألف درهم من ساعته ، وتدفع إلى الرجل ، فجاء إبراهيم إلى الرشيد ، فأخبره ، فقال : إذا قبض الرجل ماله فافتح أبوابه.
قال بشر بن الوليد (٤) :
كنت عند أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، فحدثنا بحديث طريف قال :
بينا أنا البارحة أويت إلى فراشي فإذا داق يدق الباب ، فخرجت فإذا هرثمة بن أعين قال : أجب أمير المؤمنين ، فقلت : يا أبا حاتم ، لي بك حرمة ، وهذا وقت كما ترى ، ولست
__________________
(١) كذا في مختصر ابن منظور ، جاء في اللسان : العون : الظهير على الأمر ، الواحد والاثنان والجمع والمؤنث فيه سواء ، وقد حكي في تكسيره أعوان.
(٢) في الجليس الصالح : مع رجلين من أصحابه العدول.
(٣) القمطر والقمطرة : ما تصان فيه الكتب (اللسان).
(٤) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ من طريق أحمد بن عمر بن روح النهرواني ، ومحمد ابن الحسين بن محمد الجازري ، حدثنا المعافي بن زكريا الجريري حدثنا محمد بن أبي الأزهر حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي حدثني أبي ، قال : حدثني بشر بن الوليد ، وذكره. وفي الجليس الصالح الكافي ١ / ٤١٦ وما بعدها.