آمن أن يكون أمير المؤمنين دعاني لأمر من الأمور ، فإن أمكنك أن تدفع بذلك إلى غد؟ فلعله أن يحدث له رأي ، فقال : ما لي إلى ذلك سبيل ، قلت : كيف كان السبب؟ قال : خرج إلي مسرور الخادم فأمرني أن آتي بك ، فقلت : تأذن لي أن أصب علي ماء وأتحنّط (١)؟ فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني ، وإن رزق الله العافية فلن يضر ، فدخلت وفعلت ما أردت (٢) ، ومضينا ، فإذا مسرور واقف ، فقال له هرثمة : قد جئت به. قال : فقلت لمسرور : يا أبا هاشم ، هذا وقت ضيق ، فتدري لم طلبني أمير المؤمنين؟ قال : لا ، قلت : فمن عنده؟ قال : عيسى بن جعفر ، قلت : ومن؟ قال : ما عنده ثالث ، قال : مرّ ، فإذا صرت إلى الصحن فإنه في الرواق ، وهو ذلك جالس ، فحرّك رجلك بالأرض ، فإنه سيسألك ، فقل : أنا. ففعلت ، فقال : من؟ قلت : يعقوب ، قال : ادخل ، فدخلت ، فإذا هو جالس وعنده عيسى بن جعفر ، فسلّمت ، فرد وقال : أظننا روعناك ، قلت : إي والله ، وكذلك من خلفي. قال : اجلس ، ثم التفت إلي فقال : يا يعقوب ، تدري لم دعوتك؟ قلت : لا ، قال : دعوتك لأشهدك على هذا ، إن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع ، وسألته أن يبيعها فأبى ، والله لئن لم يفعل لأقتلنه ، قال : فالتفتّ إلى عيسى ، وقلت : وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين ، وتنزل نفسك هذه المنزلة؟! فقال لي : عجلت علي في القول قبل أن تعرف ما عندي : إن علي يمينا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك ألّا أبيع هذه الجارية ، ولا أهبها ، فالتفت إلي الرشيد فقال : هل له في ذلك من مخرج؟ قلت : نعم ، يهب لك نصفها ، ويبيعك نصفها ، فيكون لم يبع ولم يهب. قال عيسى : ويجوز ذلك؟ قلت : نعم. قال : فأشهدك أني قد وهبت له نصفها ، وبعته النصف الباقي بمائة ألف دينار ، فقال : الجارية ، فأتي بالجارية وبالمال ، فقال : خذها يا أمير المؤمنين ، بارك الله لك فيها.
قال : يا يعقوب ، بقيت واحدة ، قلت : ما هي؟ قال : هي مملوكة ، ولا بد أن تستبرأ ، وو الله إن لم أبت معها ليلتي أظن نفسي ستخرج ، قلت : يا أمير المؤمنين ، تعتقها ، وتتزوجها ، فإن الحرة لا تستبرأ ، قال : فإنّي قد أعتقتها ، فمن يزوجنيها؟ قلت : أنا ، فدعا بمسرور وحسين ، فخطبت وحمدت الله ، ثم زوّجته على عشرين ألف دينار ، ودعا بالمال فدفعه إليها
__________________
(١) تحنط : تطيب بالحنوط (اللسان).
(٢) في تاريخ بغداد : فدخلت فلبست ثيابا جددا ، وتطيبت بما أمكن من الطيب ، ثم خرجنا.