ثم قال : يا يعقوب ، انصرف ، وقال : يا مسرور ، أحمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم ، وعشرين تختا ثيابا ، فحمل ذلك معي.
قال بشر بن الوليد : فالتفت إلي يعقوب فقال : هل رأيت بأسا فيما فعلت؟ قلت : لا ، قال : فخذ منها حقك ، قلت : وما حقي؟ قال : العشر ، قال : فشكرته ، وذهبت لأقوم ، فإذا بعجوز قد دخلت فقالت : يا أبا يوسف ، بنتك تقرئك السلام ، وتقول لك : ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته ، وقد حملت إليك النصف منه ، وخلّفت الباقي لما أحتاج إليه ، فقال : ردّيه ، فو الله لا قبلتها ، أخرجتها من الرق ، وزوّجتها أمير المؤمنين وترضى لي بهذا ، فلم نزل نطلب إليه أنا وعمومتي حتى قبلها ، وأمر لي منها بألف دينار.
كان (١) حماد بن موسى صاحب أمر محمد بن سليمان (٢) والغالب عليه ، فحبس سوار (٣) القاضي رجلا في بعض ما يحبس فيه القضاة ، فبعث حماد فأخرج الرجل من الحبس ، فخاصمه إلى سوار فأخبره أن حمادا أخرج الرجل من الحبس ، فركب سوّار حتى دخل على محمد بن سليمان ، وهو قاعد للناس ، والناس على مراتبهم ، فجلس حيث يراه محمد ، ثم دعا قائدا من قواده ، قفال : أسامع أنت أو مطيع؟ قال : نعم ، قال : اجلس هاهنا ، فأقعده عن يمينه ، ودعا آخر من نظرائه ففعل به كما فعل بالأول ، فعل ذلك بجماعة من قواد سليمان (٤) ثم قال لهم : انطلقوا إلى حماد بن موسى فضعوه في الحبس (٥) ، فنظروا إلى محمد ابن سليمان فأعلموه ما أمرهم ، فأشار إليهم أن افعلوا ما يأمركم ، فانطلقوا إلى حماد فوضعوه في الحبس ، وانصرف سوار إلى منزله. فلما كان بالعشي أراد محمد بن سليمان الركوب إلى سوار ، فجاءته الرسل ، فقالوا : إن الأمير على الركوب إليك ، فقال : لا ، نحن أولى بالركوب إليه ، فركب إليه ، فقال : كنت على المجيء إليك يا أبا عبد الله ، فقال : ما كنت لأجشّم الأمير ذلك ، قال : بلغني ما صنع هذا الجاهل حماد ، قال : هو ما بلغ الأمير ،
__________________
(١) الخبر رواه وكيع في أخبار القضاة ٢ / ٦٩ ـ ٧٠.
(٢) هو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، ابن عم المنصور ، ترجمته في تاريخ بغداد ٥ / ٢٩١.
(٣) هو سوار بن عبد الله بن سوار القاضي العنبري البصري ، ترجمته في تاريخ بغداد ٩ / ٢١٠.
(٤) كذا ، ولعله من قواد محمد بن سليمان ، وفي أخبار القضاة : بجماعة من القواد.
(٥) في أخبار القضاة : الحرس.