لما (١) لقي الرشيد هارون الفضيل بن عياض ، قال له الفضيل : يا حسن الوجه ، أنت المسئول عن هذه الأمة ، قال مجاهد : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) [سورة البقرة ، الآية : ١٦٦] قال : الوصل التي كانت بينهم في الدنيا ، فجعل هارون يبكي.
حج (٢) هارون وكان يأنس بسفيان بن عيينة ، فقال لسفيان : أشتهي أن أرى الفضيل بن عياض ، وأسمع كلامه ، فقال له سفيان : إن علم أنك أمير المؤمنين لم ينبسط ، قال : فكيف الوجه فيه؟ قال : نذهب إليه جميعا وأنت متنكر ، فمضيا ، فقام سفيان على الباب ، فقال : السلام عليك يا أبا علي ، فقال الفضيل : من أنت؟ قال : سفيان ، قال : ادخل يا أبا محمد ، قال سفيان : ومن معي؟ قال : ومن معك ، فدخلا ، فأقبل الفضيل على سفيان فتحدثا ساعة ، فقال له سفيان : يا أبا علي ، هذا الفتى تعرفه؟ فنظر إليه فقال سفيان : هذا هارون أمير المؤمنين ، فنظر إليه الفضيل فقال : يا حسن الوجه ، قد قلّدت أمرا عظيما ، فاتّق الله في نفسك. وكان هارون من أحسن الناس وجها.
قال الأصمعي (٣) :
بعث إلي الرشيد ، وقد زخرف مجالسه وبالغ فيها وفي بنائها ، وصنع فيها طعاما كثيرا ، ثم وجه إلى أبي العتاهية فأتاه فقال : صف لنا ما نحن فيه من نعيم الدنيا. فأنشأ يقول (٤) :
عش ما بدا لك سالما |
|
في ظلّ شاهقة القصور |
فقال : أحسنت ، ثم ما ذا؟ فقال :
يسعى عليك بما اشتهيت |
|
لدى الرواح وفي البكور |
فقال : ثم ما ذا؟ فقال :
فإذا النفوس تقعقعت |
|
في (٥) ضيق حشرجة الصدور |
فهناك تعلم موقنا |
|
ما كنت إلا في غرور |
__________________
(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣ والبداية والنهاية ١٠ / ٢٣٦.
(٢) تقدم الخبر من طريقين وباختلاف الرواية عما هنا ، في ترجمة الفضيل بن عياض ٤٨ / ٤٣٥ و ٤٣٦.
(٣) الخبر في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٦ وفيه : «الفضيل» بدلا من «الأصمعي».
(٤) ليست الأبيات في ديوانه ، وهي في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٦ والكامل لابن الأثير ٥ / ١٣٣.
(٥) في البداية والنهاية : عن.