فبكى هارون ، فقال الفضل بن يحيى : بعث إليك أمير المؤمنين لتسرّه ، فأحزنته ، فقال هارون : دعه ، فإنه رآنا في عمى فكرة أن يزيدنا عمى.
قال أبو العتاهية (١) :
دخلت على هارون الرشيد ، فقال لي : أبو العتاهية؟ قلت : أبو العتاهية ، قال : الذي يقول الشعر؟ قلت : الذي يقول الشعر ، قال : عظني وأوجز ، فقال (٢) :
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس |
|
وإن تمنّعت بالحجاب والحرس |
واعلم بأن سهام الموت قاصدة (٣) |
|
لكل مدّرع منا ومتّرس |
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها |
|
إن السفينة لا تجري على اليبس |
قال : فخرّ مغشيا عليه.
جاء هارون الرشيد إلى باب عبد الله بن المبارك فاستأذن ، فلم يأذن له ، فكتب هارون في رقعة :
هل لذي حاجة إليك سبيل |
|
لا طويل قعوده بل قليل |
فكتب ابن المبارك على ظهر رقعته :
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل |
|
وقليل من الثقيل طويل |
لما (٤) حبس الرشيد أبا العتاهية جعل عليه عينا يأتيه بما يقول ، فوجده يوما قد كتب على الحائط (٥) :
أما والله إن الظلم لؤم (٦) |
|
وما (٧) زال المسيء هو الظلوم |
إلى ديان يوم الدين نمضي |
|
وعند الله تجتمع الخصوم |
__________________
(١) الخبر والشعر في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٦.
(٢) الأبيات في ديوانه ص ٢٣٠ طبعة دار صادر ـ بيروت.
(٣) في البداية والنهاية : «صائبة» وروايته في الديوان :
فما تزال سهام الموت نافذة |
|
في جنب مدّرع منها ومتّرس |
(٤) الخبر والأبيات في البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ والكامل لابن الأثير ٦ / ٢٢٠.
(٥) البيتان في ديوانه ص ٣٩٨ طبعة صادر ـ بيروت.
(٦) في البداية والنهاية : شوم.
(٧) الديوان : ولكن.