ما تنظرون (١) بسلمى أن تحيّوها
اسقوني فلو كانت فيها نفسي (٢).
فقال عبيد الله : ما يقول؟ قالوا : يهجر (٣) ، وتخشع القوم في البيت ، وأنكر عبيد الله ما رأى منهم ، فوثب ، فخرج ، ودعا مولى لهانئ بن عروة ، وكان في الشرطة فسأله ، فأخبره الخبر ، فقال : أولى ، ثم مضى حتى دخل القصر ، وأرسل إلى هانئ بن عروة وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة ، فقال : ما حملك على أن تخبر عدوي وتنطوي عليه؟! فقال : يا بن أخي ، إنه جاء حق هو أحق من حقك ، وحق أهل بيتك ، فوثب عبيد الله ، وفي يده عنزة (٤) ، فضرب بها رأس هانئ حتى خرج الزّج ، واغترز (٥) في الحائط ، ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه (٦) ، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج.
وفي حديث آخر :
أن عبيد الله لما بنى بزوجته أرسل إلى هانئ فأتاه متوكئا على عصاه ، فقال : أكل الأمير العرس وحده ، قال : أو تركتني أنتفع بعرس وقد ضممت مسلم بن عقيل ، وهو عدو أمير المؤمنين؟! قال : ما فعلت ، قال : لعمري لقد فعلت ، وما شكرت بلاء زياد ، ولا رعيت حقّه وزاده فأغضبته ، فانتزع عبيد الله العنزة من يده فشجّه بها وحبسه حتى أتى بمسلم بن عقيل ، فقتلهما جميعا (٧) ، وألقاهما من ظهر بيت ، فقال عبد الله بن الزّبير الأسدي يرثيه (٨) :
__________________
(١) في الطبري : تنتظرون. والذي في الأخبار الطوال ص ٢٣٤ والفتوح لابن الأعثم :
ما تنظرون بسلمى عند فرضتها |
|
فقد وفى ودّها واستوسق الصرم |
(٢) هذه العبارة كانت آية بينه وبين مسلم بن عقيل ، إذا قالها وثب على عبيد الله بن زياد فقتله.
(٣) هجر في نومه ومرضه : هذى (اللسان) ، والذي في الفتوح لابن الأعثم : فقيل له : إنه مبرسم أصلح الله الأمير.
(٤) العنزة : رميح بين العصا والرمح فيه زجّ (القاموس المحيط).
(٥) اغترز : دخل (اللسان : غرز).
(٦) انظر خبر مقتله وتفاصيل أوردها ابن قتيبة في الأخبار الطوال ص ٢٣٦ ـ ٢٣٨ والفتوح لابن الأعثم ٥ / ١٠٤ وما بعدها.
(٧) انظر كيفية مقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب (رض) في الفتوح لابن الأعثم ٥ / ٨٦ وأنساب الأشراف ٢ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.
(٨) الأبيات في أنساب الأشراف ٢ / ٣٤١ منسوبة لعبد الله بن الزبير ويقال : الفرزدق بن غالب ، وفي الفتوح لابن الأعثم ٥ / ١٠٦ ونسبها لرجل من بني أسد. والأخبار الطوال ص ٢٤٢ ونسبها لعبد الرحمن بن الزبير الأسدي ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ونسبها لعبد الله بن الزبير الأسدي ، قال : ويقال : قالها الفرزدق.