قال أبو الزناد : رمقت سعيد بن المسيب بعد جلد هشام بن إسماعيل إياه ، فما رأيته يفوته في سجود ولا ركوع ، ولا زال يصلي معه بصلاته.
وكان سعيد بن المسيب لا يقبل بوجهه على هشام بن إسماعيل إذا خطب في الجمعة ، فأمر به هشام بعض أعوانه أن يعطفه عليه إذا خطب ، فأهوى العون (١) يعطفه ، فأبى سعيد ، فأخذه حتى عطفه ، فصاح سعيد : يا هشام ، إنما هي أربع بعد أربع فلما انصرف هشام قال : ويحكم جنّ سعيد. فسئل سعيد : أي شيء أربع بعد أربع؟ سمعت في ذلك شيئا؟ قال : لا ، قيل : فما أردت بقولك؟ قال : إن جاريتي لما أردت المسجد قالت : إني أريت كأن موسى غطّس عبد الملك في البحر ثلاث غطسات فمات في الثالثة ، فأوّلت أن عبد الملك بن مروان مات ، لأن موسى بعث على الجبارين بقتلهم ، وعبد الملك جبار هذه الأمة. قال : فلم قلت : أربع بعد أربع؟ قال : مسافة مسير الرسول من دمشق إلى المدينة بالخبر. فمكثوا ثمان ليال ثم جاء رسول بموت عبد الملك.
كان (٢) هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن حسين وأهل بيته ، يخطب بذلك على المنبر ، وينال من علي. فلما ولي الوليد بن عبد الملك عزله ، وأمر به أن يوقف للناس (٣) ، فكان يقول : لا والله ما كان أحد من الناس أهمّ إلي من علي بن حسين ، كنت أقول : رجل صالح يسمع قوله ، فوقف للناس (٤) ، فجمع علي بن حسين ولده وخاصته (٥) ونهاهم عن التعرض له ، وغدا علي بن حسين مارا لحاجة ، فما عرض له ، فناداه هشام بن إسماعيل (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٦).
[قال أبو عبد الله البخاري](٧) :
__________________
(١) كذا ، والعون : الظهير للواحد والجمع والمؤنث ، والجمع : أعوان (القاموس المحيط).
(٢) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ٢٢٠ في ترجمة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضياللهعنهم) من طريق محمد بن عمر قال : حدثني ابن أبي سيرة عن سالم مولى أبي جعفر قال ، وذكره.
(٣) بالأصل : الناس ، والمثبت عن ابن سعد.
(٤) بالأصل : الناس.
(٥) عند ابن سعد : وحامّته.
(٦) بالأصل وابن سعد : «رسالاته» سورة الأنعام ، الآية : ١٢٤.
(٧) زيادة منا.